الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قوله تعالى: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } قال ابن عباس: يعني ونحول بينهم وبين الإيمان فلو جئناهم بالآيات التي سألوها لما آمنوا بها. والتقليب هو تحويل الشيء وتحريكه عن وجهه إلى وجه آخر لأن الله تعالى إذا صرف القلوب والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر { كما لم يؤمنوا به أول مرة } يعني كما لم يؤمنوا بما قبل ذلك من الآيات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك من المعجزات الباهرات، وقيل: أول مرة يعني الآيات التي جاء بها موسى وغيره من الأنبياء. وقال ابن عباس: المرة الأولى دار الدنيا يعني لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة قبل مماتهم وفي الآية دليل على أن الله تعالى: يهدي من يشاء ويضل من يشاء وأن القلوب والأبصار بيده وفي تصريفه فيقيم ما شاء منها ويزيغ ما أراد منها ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فمعنى قوله بقلب أفئدتهم نزيغها عن الإيمان ونقلب أبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة الصواب وإن جاءتهم الآية التي سألوها فلا يؤمنون بها كما لم يؤمنوا بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فعلى هذا تكون الكناية في به عائدة على الإيمان بالقرآن وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل سؤالهم الآيات التي اقترحوها. وقوله تعالى: { ونذرهم في طغيانهم يعمهون } يعني ونترك هؤلاء المشركين الذين سبق علم الله أنهم لا يؤمنون في تمردهم على الله واعتدائهم عيله يترددون لا يهتدون إلى الحق. قوله عز وجل: { ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة } قال ابن جريج: نزلت في المستهزئين، وذلك أنهم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش، فقالوا: يا محمد ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدن لك أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً فنزلت هذه الآية جواباً لهم. والمعنى: ولو أنا نزلنا إليهم الملائكة حتى يشهدوا لك بالرسالة { وكلمهم الموتى } يعني كما سألوا { وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً } يعني وجمعنا عليهم كل شيء قبلاً قبيلاً، قيل القبيل الكفيل بصحة ما تقول ما آمنوا وهو قوله: { ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } يعني إلا أن يشاء الله الإيمان منهم وفيه دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى حتى الإيمان والكفر، وموضع المعجزة أن الأشياء المحشورة منها ناطق ومنها صامت فإذا أنطق الله الكل حتى يشهدوا له بصحة ما يقول كان ذلك في غاية الإعجاز.

السابقالتالي
2