الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قوله عز وجل: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } قال جمهور المفسرين معنى: الإدراك الإحاطة بكنه الشيء وحقيقته فالأبصار ترى البارئ جل جلاله ولا تحيط به كما أن القلوب تعرفه ولا تحيط به. وقال سعيد بن المسيب في تفسيره: قوله لا تدركه الأبصار، لا تحيط به الأبصار. وقال ابن عباس: كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به. فصل تمسك بظاهر الآية قوم من أهل البدع ووهم الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وقالوا: إن الله تبارك وتعالى لا يراه أحد من خلقه وإن رؤيته مستحيلة عقلاً، لأن الله أخبر أن الأبصار لا تدركه وإدراك البصر عبارة عن الرؤية، إذ لا فرق بين قوله أدركته ببصري ورأيته ببصري فثبت بذلك أن قوله لا تدركه الأبصار بمعنى لا تراه الأبصار وهذا يفيد العموم ومذهب أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة وأن رؤيته غير مستحيلة عقلاً واحتجوا لصحة مذهبهم بتظاهر أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تبارك وتعالى للمؤمنين في الآخرة قال الله تبارك وتعالى:وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [القيامة: 22-23] ففي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وقال تعالى:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [المطففين: 15] قال الشافعي رحمه الله: حجب قوماً بالمعصية وهي الكفر فثبت أن قوماً يرونه بالطاعة وهي الإيمان وقال مالك لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكفار بالحجاب وقال تعالى:للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس: 26] وفسروا هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى يوم القيامة. وأما دلائل السنة فما روي عن جرير بن عبد الله البجلي قال " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ: { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } " أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: " أن ناساً قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضامون في القمر ليلة البدر؟ قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم ترونه " كذلك أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي وليس عنده في أوله أن أناساً سألوا ولا في آخره ليس دونها سحاب. عن أبي رزين العقيلي قال: " قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخلياً به يوم القيامة؟ قال: نعم قلت وما آية ذلك من خلقه؟ قال: يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به قلت بلى قال: " فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل وأعظم "

السابقالتالي
2 3 4