الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

{ وقالوا } يعني مشركي مكة { لولا } يعني هلا { أنزل عليه } يعني على محمد { ملك } يعني نراه عياناً { ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } يعني لفرغ الامر ولوجب العذاب وهذه سنة الله في الكفار أنهم متى اقترحوا آية ثم لم يؤمنوا استوجبوا العذاب واستؤصلوا به { ثم لا ينظرون } يعني أنهم لا يمهلون ولا يؤخرون طرفة عين بل يعجل لهم العذاب { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } يعني ولو أرسلنا إليهم ملكاً لجعلناه في صورة رجل وذلك أن البشر لا يستطيعون أن ينظروا إلى الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها ولو نظر إلى الملك ناظر لصعق عند رؤيته ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الأنس كما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وكما جاء الملكان إلى داود عليه السلام في صورة رجلين وكذلك أتى الملائكة إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلق عليها صعق لذلك وغشي عليه. وقوله تعالى: { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقال لبست الأمر على القوم إذا أشبهته عليهم وجعلته مشكلاً ولبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته ومعنى الآية وخالطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي وقيل في معنى الآية إنا لو جعلنا الملك في صورة البشر لظنوه بشراً فتعود المسألة بحالها أنا لا نرضى برسالة البشر ولو فعل الله عز وجل ذلك صار فعل الله مثل فعلهم في التلبيس وإنما كان تلبيساً لأنهم يظنون أنه ملك وليس بملك أو يظنون أنه بشر وليس هو بشراً وإنما كان فعلهم تلبيساً لأنهم لبسوا على ضعفتهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنما هو بشر مثلكم ولو رأوا الملك رجلاً للحقهم من اللبس مثل ما لحق بضعفائهم فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم على ما كان منهم من التخليط في السؤال واللبس على الضعفاء. قوله عز وجل: { ولقد استهزئ برسل من قبلك } يعني كما استهزئ بك يا محمد وفي هذه الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له عما كان من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به إذ جعل له أسوة في ذلك بالأنبياء الذين كانوا قبله { فحاق } أي فنزل وقيل: أحاط، وقيل: حل { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } والمعنى: فنزل العذاب بهم ووجب عليهم من النقمة والعذاب جزاء استهزائهم أو في هذه الآية تحذير للمشركين أن يفعلوا لنبيهم كما فعل من كان قبلهم بأنبيائهم فينزل بهم مثل ما نزل بهم { قل سيروا في الأرض } أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سيروا في الأرض معتبرين ومتفكرين وقيل هو سير الأقدام { ثم انظروا } فعلى القول الأول يكون النظر نظرة فكرة وعبرة وهو بالبصيرة لا بالبصر وعلى القول الثاني يكون المراد بالنظر نظر العين والمعنى ثم انظروا بأعينكم إلى آثار الأمم الخالية والقرون الماضية السالفة وهو قوله تعالى: { كيف كان عاقبة المكذبين } يعني كيف كان جزاء المكذبين وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك فحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية.