الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ }

{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس } لما أنزل الله تعالى:يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } [المائدة: 87] وقوله:وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً } [المائدة: 88] وكانت الخمر والميسر مما يستطاب عندهم بين الله تعالى في هذه الآية أن الخمر والميسر غير داخلين في جملة الطيبات المحللات، بل هما من جملة المحرمات والخمر كل ما خامر العقل وغطاه والميسر القمار وقد تقدم تفسيرهما في سورة البقرة والأنصاب هي الحجارة التي كانوا ينصبونها للعبادة ويذبحون عندها والأزلام هي القداح التي كانوا يستقسمون بها وتقدم تفسير ذلك. والرجس في اللغة الشيء الخبيث المستقذر { من عمل الشيطان } يعني من تزيينه وإغوائه ودعائه إياكم إليها وليس المراد أنها من عمل يديه { فاجتنبوه } يعني كونوا جانباً منه والضمير في قوله فاجتنبوه عائد إلى الرجس لأنه اسم جامع للكل كأنه قال إن هذه الأربعة الأشياء كلها رجس فاجتنبوه { لعلكم تفلحون } يعني لكم لكي تدركوا الفلاح إذا اجتنبتم هذه المحرمات التي هي رجس قوله تعالى: { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر } اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فروى أبو ميسرة أن عمر بن الخطاب قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر والميسر بياناً شافياً فنزلت الآية في سورة البقرة:يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } [البقرة: 219] الآية فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر والميسر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء:يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [النساء: 43] فدعي عمر فقرئت عليه ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر والميسر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في المائدة { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } فدعي عمر فقرئت عليه فقال انتهينا انتهينا أخرجه الترمذي من طريقين: وقال رواية أبي ميسرة هذه أصح وأخرجه أبو داود والنسائي. وروى مصعب بن سعيد عن أبيه قال: صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا فشربنا وذلك قبل أن تحرم زاد حتى انتشينا فتفاخرت الأنصار وقريش فقالت الأنصار نحن أفضل منكم فقال سعد بن أبي وقاص: المهاجرون خير منكم فأخذ رجل من الأنصار لحى جمل فضرب به أنف سعد ففزره فأتى سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت هذه الآية: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } وقال ابن عباس: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى ثملوا وعبث بعضهم ببعض فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول فعل بي هذا فلان أخي وكانوا أخوة ليس في قلوبهم ضغائن فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } وأما تفسير الآية فقوله تعالى إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يعني إنما يزين لكم الشيطان شرب الخمر والقمار بالقداح وهو الميسر ويحسن ذلك لكم إرادة أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء بسبب شرب الخمر لأنها تزيل عقل شاربها فيتكلم بالفحش وربما أفضى ذلك إلى المقاتلة وذلك سبب إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيها.

السابقالتالي
2