الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

قوله عز وجل: { ترى كثيراً منهم } يعني من اليهود مثل كعب بن الأشرف وأصحابه { يتولون الذين كفروا } يعني: يوالون المشركين من أهل مكة وذلك حين خرجوا إليهم ليجيشوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: معناه ترى كثيراً من المنافقين يتولون اليهود { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } يعني بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة { أن سخط الله عليهم } يعني بما فعلوا من موالاة الكفار { وفي العذاب هم خالدون } يعني في الآخرة { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي } يعني ولو كان هؤلاء الذين يتولون الكفار يؤمنون بالله ويصدقونه بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه نبي مبعوث إلى كافة الخلق { وما أنزل إليه } يعني ويؤمنون بالقرآن الذي أنزل إليه من ربه { ما اتخذوهم أولياء } يعني ولكن أكثرهم خارجون عن طاعة الله وأمره وإنما قال كثيراً لأنه علم أن منهم من سيؤمن مثل عبد الله ابن سلام وأصحابه. قوله تعالى: { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } اللام في قوله لتجدن لام القسم تقديره والله يا محمد إنك لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا بك وصدقوك اليهود والذين أشركوا ووصف الله شدة عداوة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق وجعلهم قرناء المشركين عبدة الأصنام في العداوة للمؤمنين وذلك حسداً منهم للمؤمنين { ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى } ووصف لين عريكة النصارى وسهولة قبولهم الحق. قال بعضهم: مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر والأذى إلى من خالفهم في الدين بأي طريق كان مثل القتل ونهب المال بأنواع المكر والمكيد والحيل، ومذهب النصارى خلاف اليهود، فإن الإيذاء في مذهبهم حرام، فحصل الفرق بين اليهود والنصارى. وقيل: إن اليهود مخصوصون بالحرص الشديد على الدنيا وطلب الرياسة ومن كان كذلك كان شديد العداوة لغيره. وأما النصارى، فإن فيهم من هو معرض عن الدنيا ولذتها وترك طلب الرياسة ومن كان كذلك فإنه لا يحسد أحداً ولا يعاديه بل يكون لين العريكة في طلب الحق لهذا قال تعالى: { ذلك بأن منهم } يعني من النصارى { قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون } ولم يرد به كل النصارى فإن معظم النصارى في عداوة المسلمين كاليهود بل الآية نزلت فيمن آمن من النصارى مثل النجاشي وأصحابه. والقس والقسيس: اسم رئيس النصارى والجمع قسيسون. وقال قطرب: القس والقسيس العالم بلغة الروم. وهذا مما وقع الوفاق بين اللغتين يعني العربية والرومية. وأما الرهبان، فهو جمع راهب. وقيل: الرهبان واحد وجمعه رهابين وهم سكان الصوامع. فإن قلت: كيف مدحهم الله بذلك مع قولهورهبانية ابتدعوها } [الحديد: 27] قلت: إنما مدحهم الله في مقابلة ذم اليهود ووصفهم بشدة العداوة للمؤمنين ولا يلزم من هذا القدر أن يكون مدحاً على الإطلاق.

السابقالتالي
2 3 4