الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } * { وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

{ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم } الآية وقد تقدم معنى إقامة التوراة والإنجيل وإنه يلزمهم العمل بما فيهما وهو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد تقدم تفسير ما أنزل إليكم من ربكم { وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً } وقوله تعالى { فلا تأسَ على القوم الكافرين } يعني فلا تحزن يا محمد على هؤلاء اليهود الذين جحدوا نبوتك ولم يؤمنوا بك فإنما يعود ضرر ذلك الكفر عليهم. قوله عز وجل: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى } لما بين الله عز وجل أن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا، بين في هذه الآية أن هذا الحكم عام في كل أهل الملل وأنه لا يحصل لأحد منهم فضيلة ولا منقبة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً يرضاه الله ومن العمل الصالح الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتم الإيمان إلا به وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة. وقوله تعالى: { والصابئون } ظاهر الإعراب يقتضي أن يقال: والصابئين، وكذا قراءة أبي ّ بن كعب وابن مسعود وابن كثير من السبعة. وقرأ الجمهور بالرفع. ومذهب الخليل وسيبويه أنه ارتفع الصابئون بالابتداء على نية التأخير كأنه قيل { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } والصابئون كذلك فحذف خبره والحكمة في عطف الصابئين على من قبلهم هي أن الصابئين أشد الفرق المذكورة في هذه الآية ضلالاً فكأنه قال: كل هؤلاء الفرق إذا آمنوا وأتوا بالعمل الصالح قبل الله توبتهم حتى الصابئون، فإنهم إذا آمنوا كانوا أيضاً كذلك، وإنما سموا صابئين، لأنهم صبئوا عن الأديان كلها، بمعنى: خرجوا لأنهم صبئوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا ما جاءت به الرسل من عنده الله. فإن قلت: قد قال الله تعالى في أول الآية إن الذين آمنوا ثم قال في آخر الآية فمن آمن فما فائدة هذا التكرار. قلت: فائدته أن المنافقين كانوا يظهرون الإسلام ويزعمون أنهم مؤمنون، ففي هذا التكرار إخراجهم من قبيل المؤمنين فيكون معنى إن الذين آمنوا أي بألسنتهم لا بقلوبهم. ثم قال: من آمن يعني من ثبت على إيمانه ورجع عن نفاقه منهم. وقيل: فيه فائدة أخرى وهي أن الإيمان يدخل تحته أقسام كثيرة وأشرفها الإيمان بالله واليوم الآخر ففائدة التكرار التنبيه على أشرف أقسام الإيمان هذان القسمان وفي قوله { من آمن بالله } حذف تقديره من آمن بالله { واليوم الآخر } منهم وإنما حسن هذا الحذف لكونه معلوماً عند السامعين { وعمل صالحاً } يعني وضم إلى إيمانه العمل الصالح وهو الذي يراد به وجه الله تعالى { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } يعني في الآخر.

السابقالتالي
2