الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

قوله تعالى: { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه } قال أصحاب الأخبار لما قتل قابيل هابيل تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض فقصدته السباع لتأكله فحمله قابيل على ظهره في جراب أربعين يوماً. وقال ابن عباس: سنة حتى أروَحَ وأنتن فأراه الله أن يرى قابيل سنته في موتى بني آدم في الدفن فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة ثم ألقاه فيها وواراه بالتراب وقابيل ينظر فذلك قوله تعالى: { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض } يعني يحفرها وينثر ترابها ليريه كيف يواري سوأة أخيه يعني ليري الله أو يري الغراب قابيل كيف يواري ويستر جيفة أخيه فلما رأى ذلك قابيل من فعل الغراب { قال يا ويلتا } أي لزمه الويل وحضره وهي كلمة تحسر وتلهف وتستعمل عند وقوع الداهية العظيمة وذلك أنه ما كان يعلم كيف يدفن المقتول فلما علم ذلك من فعل الغراب علم أن الغراب أكثر علماً منه وعلم أنه إنما ندم على قتل أخيه بسبب جهله وعدم معرفته فعند ذلك تلهف وتحسر على ما فعله فقال: يا ويلتا. وفيه اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب { أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب } يعني مثل هذا الغراب الذي وارى الغراب الآخر { فأواري سوأة أخي } يعني فأستر جيفته وعورته عن الأعين { فأصبح من النادمين } يعني على حمله على ظهره مدة سنة لا على قتله. وقيل: إنه ندم على قتل أخيه لأنه لم ينتفع بقتله وسخط عليه أبواه وإخوته فندم لأجل ذلك لا لأجل أنه جنى جناية واقترف ذنباً عظيماً بقتله فلم يكن ندمه ندم توبة وخوف وإشفاق من فعله فلأجل ذلك لم ينفعه الندم، قال المطلب بن عبد الله بن حطب: لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بمن عليها سبعة أيام وشربت دم المقتول كما تشرب الماء فناداه تعالى أين أخوك هابيل؟ فقال ما أدري ما كنت عليه رقيباً: فقال الله تعالى إن دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك؟ قال فأين دمه إن كنت قتلته! فحرم الله على الأرض يومئذ أن تشرب دماً بعده ابداً ويروى عن ابن عباس قال لما قتل قابيل هابيل كان آدم بمكة فاشتاكَ الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه واغبرت الأرض فقال آدم: قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند فوجد قابيل قد قتل هابيل، وقيل: لما رجع آدم سأل قابيل عن أخيه، فقال: ما كنت عليه وكيلاً. فقال: بل قتلته ولذلك اسود جلدك. وقيل: إن آدم مكث بعد قتل هابيل مائة سنة لا يضحك وأنه رثاه بشعر فقال:

السابقالتالي
2