الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ قال رجلان من الذين يخافون } يعني يخافون الله ويراقبونه { أنعم الله عليهما } يعني بالهداية والوفاء { ادخلوا عليهم الباب } يعني قال الرجلان، وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا لبني إسرائيل، ادخلوا على الجبارين باب مدينتهم { فإذا دخلتموه فإنكم غالبون } لأن الله وعدكم بالنصر وأن الله ينجز لكم وعده { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } يعني يقول الرجلان لقوم موسى ثقوا بالله فإنه معكم وناصركم إن كنتم مصدقين بأن الله ناصركم لا يهولنكم عظم أجسامهم فإنا قد رأيناهم فكانت أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة فلما قالا ذلك، أراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وعصوا أمرهما، وقالوا: ما أخبرنا الله عنهم بقوله تعالى: { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً } يعني: قال قوم موسى لموسى إنا لن ندخل مدينة الجبارين أبداً يعني مدة حياتنا { ما داموا فيها } يعني مقيمين فيها { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } إنما قالوا هذه المقالة لأن مذهب اليهود التجسيم فكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً. قال بعض العلماء: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه فهو فسق، وقال بعضهم: إنما قالوه على وجه المجاز. والمعنى: اذهب أنت وربك معين لك لكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التأويل. وقال بعضهم: إنما أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى والأصح أنهم إنما قالوا ذلك جهلاً منهم بالله تعالى وصفاته ومنه قوله تعالى:وما قدروا الله حق قدره } [الزمر: 67] خ. عن ابن مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إليّ مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين يوم بدر فقال يا رسول الله ألا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن امض ونحن معك فكأنه سرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: لكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرَّ. قوله تعالى: { قال } يعني موسى عليه السلام { رب } أي يا رب { إني لا أملك إلا نفسي وأخي } يعني إني لا أملك إلا نفسي وأخي لا يملك إلا نفسه وقيل معناه لا أملك إلا نفسي ونفس أخي لأنه كان يطيعه وإذا كان كذلك فقد ملكه وإنما قال موسى لا أملك إلا نفسي وأخي وإن كان معه في طاعته يوشع بن نون وكالب بن يوفنا لاختصاص هارون به ولمزيد الاعتناء بأخيه ويحتمل أن يكون معناه وأخي في الدين ومن كان على دينه وطاعته فهو أخوه في الدين فعلى هذا الاحتمال يدخل الرجلان في قوله وأخي ثم قال: { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } أي افصل وقيل احكم بيننا وبين القوم الفاسقين يعني الخارجين عن طاعتك وإنما قال موسى ذلك لأنه لما رأى بني إسرائيل وما فعلوه من مخالفة أمر الله وهمهم بيوشع وكالب غضب لذلك ودعا عليهم فأجاب الله تعالى دعاء موسى عليه السلام { قال } الله عز وجل: { فإنها محرمة عليهم } يعني فإن الأرض المقدسة محرمة عليهم ومعناه أن تلك البلدة محرمة عليهم أبداً ولم يرد تحريم تعبد وإنما أراد تحريم منع فأوحى الله تعالى إلى موسى " بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ولأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي كانوا يتجسسون فيها سنة ولألقين جيفهم في هذه القفار وأما أبناؤهم الذين لم يعملوا الشر فيدخلوها " فذلك قوله تعالى فإنها يعني الأرض المقدسة محرمة عليهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6