الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ }

قوله تعالى: { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } قال ابن عباس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وابن أصار وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى، فأنزل الله عز وجل فيهم { وقالت اليهود والنصارى، نحن أبناء الله وأحباؤه } الآية. وسبب هذه المقالة ما حكاه السدي قال: أما اليهود فإنهم قالوا إن الله أوحى إلى إسرائيل إني أدخل من ولدك النار فيكونون فيها أربعين يوماً حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي منادٍ أن اخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل فيخرجون فذلك قوله تعالى: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات. وأما النصارى، فإن فرقاً منهم يقولون المسيح ابن الله وكذبوا فيما قالوا على الله تعالى فأما وجه قول اليهود فإنهم يعنون أنه من عطفه عليهم كالأب الشفيق على الولد وأما وجه قول النصارى، فإنهم لما قالوا في المسيح أنه ابن الله وادعوا أنه منهم فكأنهم قالوا: نحن أبناء الله لهذا السبب. وقيل: إن اليهود إنما قالوا هذه المقالة من باب حذف المضاف والمعنى نحن أبناء رسول الله وأما النصارى فإنهم تأولوا قول المسيح أذهب إلى أبي وأبيكم. وقوله: إذا صليتم فقولوا يا أبانا الذي في السماء لنقدسن اسمك فذهبوا إلى ظاهر هذه المقالة ولم يعلموا ما أراد المسيح عليه السلام إن صحت هذه المقالة عنه فإن تأويلها أنه في بره ورحمته وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده وجملة الكلام في ذلك أن اليهود والنصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلاً على من سواهم بسبب أسلافهم الأفاضل حتى انتهوا في تعظيم أنفسهم إلى أن قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه فأبطل الله عز وجل دعواهم وكذبهم فيما قالوا بقوله تعالى: { قل فلم يعذبكم بذنوبكم }. معناه: إذا كان الأمر كما تزعمون فلمَ يعذبكم الله وأنتم قد أقررتم على أنفسكم أنه يعذبكم أربعين يوماً وهل رأيتم والداً يعذب ولده بالنار وهل تطيب نفس محب أن يعذب حبيبه في النار { بل أنتم بشر ممن خلق } يعني بل أنتم يا معشر اليهود والنصارى كسائر بني آدم مجزيون بالإساءة والإحسان. قوله تعالى: { يغفر لمن يشاء } يعني لمن تاب من اليهود والنصرانية { ويعذب من يشاء } يعني من مات على اليهودية والنصرانية. وقيل: معناه يهدي من يشاء فيغفر له ويميت من يشاء على كفره فيعذبه { ولله ملك السموات والأرض وما بينهما }. يعني: أنه تعالى يملك ذلك لا شريك له في ذلك فيعارضه وهو الذي يملك المغفرة لمن يشاء والتعذيب لمن يشاء وفيه دليل على أنه تعالى لا ولد له لأن من يملك السموات والأرض يستحيل أن يكون له شبيه من خلقه أو شريك في ملكه { وإليه المصير } يعني وإلى الله مرجع العباد في الآخرة فيجازيهم بأعمالهم.

السابقالتالي
2 3