الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }

قوله عز وجل: { مثل الجنة التي وعد المتقون } لما بين الله عز وجل حال الفريقين في الاهتداء والضلال بيَّن في هذه الآية ما أعد لكل واحد من الفريقين فبين أولاً ما أعد للمؤمنين المتقين فقال تعالى: { مثل الجنة التي وعد المتقون } يعني صفة الجنة. قال سيبويه: المثل هو الوصف فمعناه وصف الجن وذلك لا يقتضي مشبهاً به. وقيل: الممثل به محذوف غير مذكور والمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون مثل عجيب وشيء عظيم وقيل: الممثل به مذكور وهو قوله: { كمن هو خالد في النار } { فيها } يعني الجنة التي وعد المتقون { إنها من ماء غير آسن } يعني غير متغير ولا منتن. يقال: أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } يعني كما تتغير ألبان الدنيا فلا يعود حامضاً ولا قارصاً ولا ما يكره من الطعوم { وأنهار من خمر لذة للشاربين } يعني ليس فيها حموضة ولا عفوصة ولا مرارة ولم تدنسها الأرجل بالدوس ولا الأيدي بالعصر وليس من شرابها ذهاب عقل ولا صداع ولا خمار بل هي لمجرد الالتذاذ فقط { وأنهار من عسل مصفى } يعني ليس فيه شمع كعسل الدنيا ولم يخرج من بطون النحل حتى يموت فيه بعض نحله بل هو خالص صاف من جميع شوائب عسل الدنيا. عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح م عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة " قال الشيح محيي الدين النووي في شرح مسلم: سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون فأما سيحان جيحان المذكوران في الحديث اللذان هما من أنهار الجنة فهما في بلاد الأرمن فسيحان نهر أردنة وجيحان نهر المصيصة وهما نهران عظيمان جداً أكبرهما جيحان هذا هو الصواب في موضعهما ثم ذكر كلاماً بعد هذا طويلاً. ثم قال: فأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة، ففيه تأويلان الثاني، وهو الصحيح، أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة. فالجنة مخلوقة موجودة اليوم هذا مذهب أهل السنة. وقال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر هكذا نقله البغوي عنه. وقوله تعالى: { ولهم فيها من كل الثمرات } في ذكر الثمرات بعد المشروب إشارة إلى أن مأكول أهل الجنة للذة لا الحاجة فلهذا ذكر الثمار بعد المشروب لأنها للتفكه واللذة { ومغفرة من ربهم } فإن قلت: المؤمن المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة، فكيف يكون له فيها المغفرة.

السابقالتالي
2 3