الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } يعني من النفاق { فأعرض عنهم } يعني عن عقوبتهم وقيل عن قبول عذرهم { وعظهم } يعني باللسان والمراد زجرهم بالوعظ عن النفاق والكفر والكذب وتخويفهم بعذاب الآخرة { وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } يعني بليغاً يؤثر في قلوبهم موقعه وهو التخويف بالله عز وجل هو أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا من النفاق. وقيل هو أن يقول إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأن هذا القول يبلغ في نفوسهم كل مبلغ وقيل معناه فأعرض عنهم في الملأ وقل لهم في أنفسهم إذا خلوت بهم قولاً بليغاً أي اغلظ لهم في القول خالياً بهم ليس معهم غيرهم مساراً لهم بالنصيحة لأنها في السر أنجع. وقيل هذا الإعراض منسوخ بآية القتال وقد تكلم العلماء في حد البلاغة فقال بعضهم البلاغة إيصال المعنى إلى الفهم في أحسن صورة من اللفظ وقيل البلاغة حسن العبارة مع صحة المعنى وقيل البلاغة سرعة الإيحاز مع الإفهام وحسن التصرف من غير إدجار. وقيل أحسن الكلام ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه وقيل خير الكلام ما شوق أوله إلى سماع آخره وقيل لا يستحق الكلام اسم البلاغة إلاّ إذا طابق لفظه معناه ومعناه لفظه ولم يكن لفظه إلى السمع أسبق من معناه إلى القلب. وقيل المراد بالقول البليغ في الآية أن يكون حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملاً على الترغيب والترهيب والإعذار والإنظار والوعد والوعيد بالثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان كذلك عظم وقعه في القلوب وأثر في النفوس. قوله تعالى: { وما أرسلنا من رسول } قال الزجاج لفظه من هنا صلة مؤكدة والمعنى وما أرسلنا رسولاً { إلا ليطاع بإذن الله } يعني بأمر الله والمعنى إنما وجبت طاعة الرسول بأمر الله لأن الله أذن في ذلك وأمر به وقيل معناه بعلم الله وقضائه أي طاعته تكون بإذن الله لأنه أذن فيه فتكون طاعة الرسول طاعة الله ومعصيته معصية الله والمعنى وما أرسلنا من رسول إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليهم وأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلوا إليهم ففيه توبيخ وتقريع للمنافقين الذين تركوا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا بحكم الطاغوت { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } يعني الذين تحاكموا إلى الطاغوت ظلموا أنفسهم بالتحاكم إليه { جاؤوك } يعني جاؤوك تائبين من النفاق والتحاكم إلى الطاغوت متنصلين مما ارتكبوا من المخالفة { فاستغفروا الله } يعني من ذلك الذنب بالإخلاص وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك برد حكمك والتحاكم إلى غيرك { واستغفر لهم الرسول } يعني من مخالفته والتحاكم إلى غيره وإنما قال واستغفر لهم الرسول ولم يقل واستغفرت لهم إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخيماً له وتعظيماً لاستغفاره وانهم إذا جاؤوه فقد جاؤوا من خصه الله برسالته وجعله سفيراً بينه وبين خلقه ومن كان كذلك فإن الله تعالى لا يرد شفاعته فلهذا السبب عدل إلى طريقة الالتفات من لفظ الخطاب إلى لفظ الغيبة { لوجدوا الله تواباً رحيماً } يعني لو أنهم تابوا من ذنوبهم ونفاقهم واستغفرت لهم لعلموا أن الله يتوب عليهم ويتجاوز عنهم ويرحمهم.

السابقالتالي
2 3