فقال تعالى: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } يعني في الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات بعضها فوق بعض سميت طبقات جهنم دركات لأنها متداركة متتابعة. وقيل الدرك بيت مقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم وقيل هي توابيت من حديد مقفلة عليهم في النار. فإن قلت لم كان المنافق أشد عذاباً من الكافر؟ قلت إن المنافق مثل الكافر في الكفر وزيادة وهو أنه ضم إلى كفره نوعاً آخر من الكفر أخبث منه وهو الاستهزاء بالإسلام والمسلمين وإفشاء أسرار المسلمين ونقلها إلى الكفار. فلهذا السبب جعل الله عذاب المنافقين أشد عذاباً من الكفار والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر وقيل هو الذي يصف الإسلام بلسانه ولا يعمل بشرائعه ولا يتقيد بقيوده ولا يدخل تحت أحكامه وأما تسمية من ارتكب ما يفسق به منافقاً فللتغليظ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان " فإن هذه الخصال صفات المنافقين فمن فعلها فقد تشبه بالمنافقين. وقوله تعالى: { ولن تجد لهم نصيراً } يعني ولن تجد يا محمد لهؤلاء المنافقين ناصراً ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم ثم استثنى الله عز وجل من تاب من المنافقين فقال تعالى: { إلا الذين تابوا } يعني من النفاق { وأصلحوا } يعني أصلحوا الأعمال فعملوا بما أمر الله به وأدوا فرائضه وانتهوا عما نهاهم عنه { واعتصموا بالله } يعني وتمسكوا بعهد الله ووثقوا به { وأخلصوا دينهم لله } يعني وأخلصوا طاعتهم وأعمالهم التي عملوها لله وأرادوه بها ولم يريدوا رياء ولا سمعة فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان فلذلك قال تعالى: { فأولئك } يعني التائبين من النفاق { مع المؤمنين } يعني في الجنة وقيل مع بمعنى من أي المؤمنين { وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً } يعني في الآخرة. قوله تعالى: { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } هذا استفهام تقرير معناه أنه تعالى لا يعذب الشاكر المؤمن فإن تعذيبه لا يزيد في ملكه وتركه عقوبته لا ينقص من سلطانه لأنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء من ذلك فإن عاقب أحداً فإنما يعاقبه لأمر أوجبه العدل والحكمة فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أنقذتم أنفسكم من عذابه قال أهل المعاني فيه تقديم وتأخير تقديره إن آمنتم وشكرتم لأن الإيمان مقدم على سائر الطاعات ولأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان ولأن الواو لا توجب الترتيب وقيل هو على أصله والمعنى أن العاقل ينظر بعين بصيرته أولاً إلى ما عليه من النعمة العظيمة في إيجاده وخلقه فيشكر على ذلك شكراً عظيماً مبهماً ثم إذا تمم النظر ثانياً انتهى به النظر إلى معرفة المنعم عليه فآمن به ثم شكره شكراً مفصلاً فكان ذلك الشكر المبهم مقدماً على الإيمان فلذلك قدم الشكر على الإيمان في الذكر { وكان الله شاكراً } يعني مثيباً عباده المؤمنين موفياً أجورهم والشكر من الله الرضا بالقليل من أعمال عباده وإضعاف الثواب عليه وقيل لما أمر الله عباده بالشكر سمى الجزاء شكراً على سبيل الاستعارة فالمراد من الشاكر في صفة الله تعالى كونه مثيباً على الشكر { عليماً } يعني بحق شكركم، وإيمانكم فيجازيكم على ذلك.