الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

قوله تعالى: { من كان يريد ثواب الدنيا } يعني من كان يريد بعمله عرضاً من الدنيا نزلت في مشركي العرب وذلك أنهم كانوا يقرون بالله تعالى خالقهم ولا يقرون بالبعث يوم القيامة فكانوا يقربون إلى الله ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها وقيل نزلت في المنافقين لأنهم كانوا لا يصدقون بيوم القيامة، وإنما كان يطلبون بجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاجل الدنيا وهو ما ينالونه من الغنيمة { فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } يعني الذين يطلبون بأعمالهم وجهادهم ثواب الدنيا وما ينالونه من الغنيمة مخطئون في قصدهم لأن الله عنده ثواب الدنيا وثواب الآخرة فلو كانوا عقلاء لطلبوا ثواب الآخرة حتى يحصل لهم ذلك ويحصل لهم ثواب الدنيا على سبيل التبعية والمعنى أن من أراد بعمله الدنيا آتاه الله منها ما أراد وصرف عنه من شرها ما أراد وليس له ثواب في الآخرة يجزى به، ومن أراد بعمله وجه الله ثواب الآخرة فعند الله ثواب الدنيا والآخرة يؤتيه من الدنيا ما قدر له ويجزيه في الآخرة خير الجزاء { وكان الله سميعاً } يعني لأقوالهم وما يسرونه من طلب ثواب الدنيا { بصيراً } يعني بنياتهم وما في نفوسهم وقيل بصيراً بمن يطلب الدنيا بعمله وبمن طلب الآخرة بعمله. قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } قال السدي إن فقيراً وغنياً اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكان صغوه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأنزل الله هذه الآية وأمر بالقيام بالقسط مع الغني والفقير وقيل إن هذه الآية متعلقة بقصة طعمة بن أبيرق فهي خطاب لقومه الذين جادلوا عنه وشهدوا به بالباطل، فأمرهم الله تعالى أن يكونوا قائمين بالقسط شاهدين لله على كل حال ولو على أنفسهم وأقاربهم فقال تعالى: { كونوا قوامين بالقسط } القوام مبالغة في القيام بالعدل في جميع الشهادات واجتناب الجور فيها قال ابن عباس كونوا قوامين بالعدل في جميع الشهادات على من كانت شهداء لله يعني أقيموا شهادتك لوجه الله كما أمركم فيها فيقول الحق في شهادته { ولو على أنفسكم } يعني ولو كانت الشهادة على أنفسكم أمر الله العبد أن يشهد على نفسه بالحق وهو أن يقر على نفسه وذلك الإقرار يسمى شهادة في كونه موجباً للحق عليه { أو الوالدين والأقربين } يعني ولو كانت الشهادة على الوالدين والأقربين من ذوي رحمه أو أقاربه والمعنى قولوا الحق ولو على أنفسكم أو على الوالدين أو الأقارب فأقيموا الشهادة عليهم لله تعالى ولا تحابوا غنياً لغناه ولا ترحموا فقيراً لفقره فذلك قوله تعالى: { إن يكن } يعني المشهود عليه { غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } يعني منكم والمعنى كلوا أمرهم إلى الله تعالى فهو أعلم بهم وبحالهم وإنما قال بهما على التثنية لأن رد الضمير إلى المعنى دون اللفظ يعني فالله أولى بالغني والفقير { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } يعني فلا تتبعوا الهوى واتقوا الله أن تعدلوا عن الحق في أداء الشهادة وقيل معناه اتركوا متابعة الهوى حتى تصيروا موصوفين بصفة العدل، لأن العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى { وإن تلووا } قرئ بواوين ومعناه أن يلوي الشاهد لسانه إلى غير الحق قال ابن عباس يلوي لسانه بغير الحق ولا يقيم الشهادة على وجهها { أو تعرضوا } يعني أو يعرض الشاهد عن الشهادة فيكتمها ولا يقيمها يقال لويته حقه إذا دفعته عنه ومطلته به، وقيل معناه وإن تلووا عن القيام بأداء الشهادة أو تعرضوا عنها فتتركوها وقيل معناه التحريف والتبديل في الشهادة من قولهم لويت الشيء إذا قبلته وقيل هو خطاب مع الحكام يقول وإن تلووا يعني تميلوا مع أحد الخصمين دون الآخر أو تعرضوا عنه بالكلية وقرئ تلوا بواو واحدة من الولاية فهو خطاب للحكام أيضاً ومعناه فلا تلوا أمور المسلمين وتضيعوهم أو تعرضوا عنهم { فإن الله كان بما تعملون خبيراً } يعني أنه تعالى يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته فيجازيكم بأعمالكم.

السابقالتالي
2