الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

قوله عز وجل: { وإذا ضربتم في الأرض } يعني إذا سافرتم فيها { فليس عليكم جناح } أي حرج وإثم { أن تقصروا من الصلاة } يعني من أربع ركعات إلى ركعتين وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء، وأصل القصر في اللغة التضييق وقيل هو ضم الشيء إلى أصله. وفسر ابن الجوزي القصر بالنقص ولم أره لأحد من أهل التفسير واللغة وقيل معنى قصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض ركعاتها أو بعض أركانها ترخيصاً ولهذا السبب ذكروا في تفسير قصر الصلاة المذكورة في الآية قولين: أحدهما أنه في عدد الركعات وهو رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين والقول الثاني أن المراد بالقصر إدخال التخفيف في أدائها وهو أن يكتفي بالإيماء والإشارة عن الركوع والسجود. والقول الأول أصح ويدل عليه لفظة من في قوله أن تقصروا من الصلاة ولفظة من هنا للتبعيض وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة فثبت بهذا أن تفسير القصر بإسقاط بعض ركعات الصلاة أولى { إن خفتم أن يفتنكم } يعني يغتالكم ويقتلكم في الصلاة { الذين كفروا } ذهب داود الظاهري إلى أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف واستدل على صحة مذهبه بقوله تعالى: { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ولأن عدم الشرط يقتضي عدم المشروط فعلى هذا لا يجوز القصر عند الأمن ولا يجوز رفع هذا الشرط بخبر الآحاد لأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر واحد، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن القصر في حال الأمن في السفر جائز ويدل عليه ما روي " عن يعلى بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم وعن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر كيف تقصرون الصلاة وإنما قال الله تعالى ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " فقال ابن عمر يا ابن أخي: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن في ضلال فعلمنا فكان فيما علمنا أن أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر " أخرجه النسائي وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين فصلى ركعتين " أخرجه الترمذي والنسائي وأجاب الجمهور عن قوله تعالى إن خفتم أن كلمة إن تفيد حصول الشرط ولا يلزم عند عدم الشرط عدم المشروط فقوله تعالى: { إن خفتم } يقتضي أن عند عدم الخوف لا تحصل رخصة القصر.

السابقالتالي
2 3