الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

{ فأصابهم سيئات ما كسبوا } أي جزاؤها وهو العذاب ثم أوعد كفار مكة فقال تعالى { والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين } أي بفائتين لأن مرجعهم إلى الله تعالى: { أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسع الرزق لمن يشاء { ويقدر } أي يقتر ويقبض على من يشاء { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } أي يصدقون. قوله تعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول هذه الآية " أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا الحرمات فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة فنزلت والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر إلى قوله فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات قال يبدل شركهم إيماناً وزناهم إحصاناً ونزلت { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } " أخرجه النسائي. وعن ابن عباس أيضاً قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاماً يضاعف له العذاب وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل الله تعالىإلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً } [الفرقان: 70] فقال: وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله تعالىإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48] فقال وحشي أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } فقال وحشي نعم هذا فجاء فأسلم " وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا به فأنزل الله تعالى هذه الآية فكتبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا جميعاً وهاجروا. وعن ابن عمر أيضاً قال كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلتأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } [محمد: 33]، فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش قال فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا هلك فنزلت هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا من أصحابنا من أصاب شيئاً من ذلك خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له وقوله { أسرفوا على أنفسهم } أي تجاوزوا الحد في كل فعل مذموم قيل هو ارتكاب الكبائر وغيرها من الفواحش { لا تقنطوا من رحمة الله } أي لا تيأسوا من رحمة الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله من الكبائر { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } فإن قلت حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي وإطلاقاً في الإقدام عليها وذلك لا يمكن.

السابقالتالي
2 3