الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

قوله عز وجل: { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } قال الكلبي نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن صيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى { الذين قالوا } يعني قد سمع الله قول الذين { إن الله عهد إلينا } يعني أمرنا وأوصانا في كتبه { أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } يعني فيكون ذلك دليلاً على صدقه. وذكر الواحدي عن السدي أنه قال إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار. حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان. زاد غير الواحدي عنه قال: وكانت هذه العادة باقية فيهم إلى مبعث المسيح عليه السلام ثم ارتفعت وزالت وقيل إن ادعاء هذا الشرط كذب على التوراة وهو من كذب اليهود وتحريفهم ويدل على ذلك أن المقصود في الدلالة على صدق النبي هو ظهور المعجزة الخارقة للعادة فأي معجزة أتى بها النبي قبلت منه وكانت دليلاً على صدقه. وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه فوجب على كافة الخلق اتباعه وتصديقه والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل من أعمال البر من نسك وصدقة وذبح وكل عمل صالح، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة والصلاة قربان يعني أنها مما يتقرب بها إلى الله عز وجل. وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل وكانوا إذا قربوا قرباناً أو غنموا غنيمة جمعوا ذلك وجاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي حفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنيمة وتحرقه فيكون ذلك دليلاً وعلامه على القبول وإذا لم يقبل بقي على حاله ولم تنزل نار. وقال عطاء كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت والسقف مكشوف فيقوم نبيهم عليه السلام في البيت ويناجي ربه عز وجل وبنو إسرائيل خارجون حول البيت فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف ولا دخان لها فتأكل ذلك القربان ثم قال الله عز وجل مجيباً عن هذه الشبهة التي ذكرها هؤلاء اليهود وإقامة للحجة عليهم { قل } يعني قل يا محمد لهؤلاء اليهود { قد جاءكم } يا معشر اليهود { رسل من قبلي } يعني مثل زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام { بالبينات } يعني بالدلات الواضحات الدالة على صدقهم { وبالذي قلتم } يعني ما طلبوا من القربان { فلم قتلتموهم } عني فلم قتلتم الأنبياء الذين أوتوا بنا طلبتمم منهم مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء وأراد بذلك فعل أسلافهم وإنما خاطب بذلك اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم { إن كنتم صادقين } يعني في دعواكم ومعناه تكذيبهم إياك يا محمد مع علمهم بصدقك كقتل آبائهم الأنبياء مع إتيانهم بالقربان ثم قال تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم { فإن كذبوك } يعني هؤلاء اليهود { فقد كذب رسل من قبلك } يعني مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل { جاؤوا بالبينات } يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات { والزبر } أي الكتب واحدها زبور وكل كتاب فيه حكمة فهو زبور وأصله من الزبر وهو الزجر وسمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبوراً لأنه يزبر عن الباطل ويدعو إلى الحق { والكتاب المنير } أي الواضح المضيء وإنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه وفضله وقيل أراد بالزبر الصحف وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل.

السابقالتالي
2 3