قوله عز وجل: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم } يعني ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيراً لهم { بل هو } يعني البخل { شر لهم } والبخل هو إمساك المقتنيات عما لا يستحق حبسها عنه والبخيل هو الذي يكثر منه البخل والآية دالة على ذم البخل عن عبدالله بن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح " أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية فقال عبدالله بن مسعود وأبو هريرة وابن عباس في رواية أبي صالح عنه والشعبي ومجاهد نزلت هذه الآية في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم ووجه هذا القول أن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن البخل عبارة عن منع الواجب وأن من منع التطوع لا يكون بخيلاً ويدل عليه الوعيد الشديد في سياق الآية. وهو قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به وهذا لا يكون إلاّ في ترك الواجب لا في التطوع وقال ابن عباس في رواية عطية عنه وابن جريج عن مجاهد أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وهذا القول هو اختيار الزجاج ووجه هذا القول أن البخل عبارة عن منع الخير والنفع ويدخل فيه العلم كما يقال بخل فلان بعلمه وصحح الطبري القول الأول واختاره وقوله { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق فإن حملنا معنى الآية على منع الزكاة والبخل بها فقد قال ابن مسعود وابن عباس يجعل ما منعه من الزكاة حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فرقه إلى قدمه ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً فلم يود زكاته مثل له يوم القيام شجاع أقوع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم أخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم " الآية أخرجه البخاري قوله زبيبتان قيل هما النكتتان السوداوان فوق عيني الحية وقيل هما نقطتان يكتنفان فاها وقيل هما زبيبتان في شدقيها وقد جاء في الحديث تفسير لهزمتيه بأنهما شدقاه وقيل إنهما مضغتان في أصل الحنك وقيل هما منحنى اللحيين أسفل من الأذنين وكله متقارب.