الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية فقال الكلبي قالت قريش يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وإن من أطاعك وتبعك على دينك فهو في الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال السدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرضت على أمتي في صورها في الطين كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر بي " فبلغ ذلك المنافقين فقالوا استهزاء زعم محمداً أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ممن لم يخلق بعد ونحن معه وما يعرفنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: " ما بال أقوام طعنوا في علمي لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلاّ نبأتكم به " فقام عبدالله بن حذافة السهمي فقال من أبي يا رسول الله فقال حذافة فقام عمر فقال يا رسول الله رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبك نبيّاً فاعفُ عنا عفا الله عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فهل أنتم منتهون فهل أنتم منتهون " ثم نزل عن المنبر فأنزل الله هذه الآية. وقيل إن المؤمنين سألوا أن يعطوا آية يفرقون بها بين المؤمن والكافر فنزلت هذه الآية وقيل إن قوماً من المنافقين ادعوا أن إيمانهم كإيمان المؤمنين فأظهر الله نفاقهم يوم أحد وأنزل هذه الآية واختلفوا في معنى الآية وحكمها فقال ابن عباس وأكثر المفسرين الخطاب للكفار والمنافقين والمعنى ما كان ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه يا معشر الكفار والمنافقين من الكفر والنفاق حتى يميز الخبيث من الطيب وقيل الخطاب للمؤمنين والمعنى ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق والتباس بعضهم ببعض حتى يميز الخبيث من الطيب يعني المنافق من المؤمن الخالص فيميز الله المؤمنين من المنافقين يوم أحد فأظهر المنافقون النفاق وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: إنما حصل التمييز يوم أحد بإلقاء الجميع في الخوف والقتل والهزيمة فمن كان مؤمناً ثبت على إيمانه وتصديقه ولم يتزلزل ومن كان منافقاً ظهر نفاقه وكفره وقيل في معنى الآية حتى يميز المؤمن من الكافر بالجهاد والهجرة. وقيل في معنى الآية ما كان الله ليذر المؤمنين في أصلاب الرجال المشركين وأرحام النساء المشركات. والمعنى ما كان الله ليدع أولادكم الذين جرى لهم الحكم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك حتى يميز الخبيث من الطيب يعني يفرق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نسائكم من المؤمنين فيحكم لأهل الإيمان بالجنة ولأهل الشرك والكفر والنفاق بالنار { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } الخطاب في قوله ليطلعكم لكفار قريش الذين قالوا يا محمد أخبرنا عمن يؤمن بك ومن لا يؤمن والمعنى وما كان الله ليبين لكم أيها الكفار المؤمن من الكافر فيقول فلان مؤمن وفلان كافر أو منافق لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره وإن سنة الله جارية أنه لا يطلع على غيبه أحاد الناس فلا سبيل إلى معرفة المؤمن من الكافر والمنافق إلاّ بالامتحان بالآفات والمصائب فيتميز المؤمن المخلص بثباته على إيمانه ويتزلزل المنافق عن المحن والبلايا.

السابقالتالي
2