الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }

قوله عز وجل: { وما أصابكم } يعني من القتل والجراح والهزيمة { يوم التقى الجمعان } يعني جمع المؤمنين وجمع المشركين وذلك بأحد يوم أحد { فبإذن الله } يعني فبعلمه وقضائه وقدره وحكمه وفيه تسلية للمؤمنين بما حصل لهم يوم أحد من القتل والهزيمة ولا تقع التسلية إلا إذا علموا أن ذلك كان واقعاً بقضاء الله وقدره فحينئذٍ يرضون بما قضى الله عليهم { وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا } أي ليظهر إيمان المؤمنين بثبوتهم على مالهم ويظهر نفاق المنافقين بقلة صبرهم على ما نزل بهم فالمراد من العلم المعلوم والتقدير ليتبين المؤمن من المنافق وليتميز أحدهما من الآخر والمنافق هو الذي أظهر الإيمان بلسانه وأضمر خلافه واشتقاقه من النفق وهو السرب في الأرض النافذ، ومنه نافقا اليربوع لأن له حجراً في الأرض له بابان إذا طلب من أحدهما خرج من الآخر فكذلك المنافق صنع له طريقين أحدهما إظهار الإيمان بلسانه والآخر إضمار الكفر بقلبه من أيهما طلب خرج من الآخر. وقيل لأنه دخل في الإيمان من باب وخرج من باب آخر والنفاق اسم إسلامي لم تك العرب تعرفه قبل الإسلام { وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا } المقول له عبدالله بن أبي ابن سلول المنافق وأصحابه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد في ألف رجل حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة انخذل عبدالله بن أبي ابن سلول بثلث الناس وقال ما ندري علام نقتل أنفسنا فرجع بمن معه من المنافقين فتبعهم جابر بن عبدالله بن عمر بن حرام الإنصاري أخو بني سلمة وهو يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم عند حضور عدوه فذلك قوله تعالى وقيل لهم يعني المنافقين عبدالله بن أبي ابن سلول وأصحابه تعالوا قاتلوا في سبيل الله أي لأجل دين الله وطاعته أو ادفعوا يعني عن أموالكم وأهليكم وقيل معناه تعالوا كثروا سواد المسلمين إن لم تقاتلوا ليكون ذلك دفعاً وقمعاً للعدو { قالوا } يعني المنافقين { لو نعلم قتالاً لاتبعناكم } أي لو نعلم أن اليوم يجري فيه قتال لاتبعناكم ولم نرجع ولو علموا ما تبعوهم. وقيل معناه لو نحسن قتالاً لاتبعناكم { هم للكفر } يعني المنافقين إلى الكفر { يومئذٍ أقرب منهم للإيمان } أي الإيمان وإنما قال تعالى يومئذٍ لأنهم قبل ذلك اليوم لم يظهروا ما أظهروه من المعاندة والرجوع عن المسلمين وقولهم لو لم نعلم قتالاً لاتبعانكم وإنما كانوا قبل ذلك يظهرون كلمة الإسلام ويخفون الكفر { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } يعني يظهرون بألسنتهم الإيمان وليس هو في قلوبهم إنما في قلوبهم الكفر والنفاق وهذه صفة المنافقين لا صفة المؤمنين لأن صفة المؤمن المخلص موطأة القلب للسان على شيء واحد وهو التوحيد { والله أعلم بما يكتمون } يعني من النفاق { الذين قالوا لإخوانهم } نزلت في عبدالله بن أبي المنافق وأصحابه وفي المراد بإخوانهم قولان: أحدهما أن المراد بإخوانهم الذين استشهدوا بأحد فيكون إخوانهم في النسب لا في الدين والقول الثاني إن المراد بإخوانهم المنافقون فعلى القول الأول يكون معنى الآية الذين قالوا في إخوانهم أو عن إخوانهم الذين قتلوا بأحد لو أطاعونا ما قتلوا لأنهم بعد أن قتلوا لا يخاطبون وعلى القول الثاني يكون معنى الآية الذين قالوا وهم عبدالله بن أبيّ وأصحابه لإخوانهم يعني في النفاق { وقعدوا } يعني عن الجهاد { لو أطاعونا } يعني هؤلاء الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أطاعونا يعني في القعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الانصراف عنه { ما قتلوا } يومئذٍ فرد الله تعالى عليهم بقوله { قل } يعني قل لهم يا محمد { فادرؤوا } أي فادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } يعني أن الحذر لا ينفع من القدر وفي الآية دليل على أن المقتول يموت بأجله خلافاً لمن يزعم أن القتل قطع على المقتول أجله { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } قيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6