الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

{ نتلو عليك من نبأ } أي خبر { موسى وفرعون بالحق } أي بصدق { لقوم يؤمنون } أي يصدقون بالقرآن { إن فرعون علا } أي تجبر وتكبر { في الأرض } أي أرض مصر { وجعل أهلها شيعاً } أي فرقاً في أنواع الخدمة والتسخير { يستضعف طائفة منهم } يعني بني إسرائيل { يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } سمى هذا استضعافاً لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم { إنه كان من المفسدين } أي بالقتل والتجبر في الأرض { ونريد أن نمن } أي ننعم { على الذين استضعفوا في الأرض } يعني بني إسرائيل { وجعلهم أئمة } أي قادة في الخير يقتدى بهم وقيل ولادة ملوكاً { وجعلهم الوارثين } يعين أملاك فرعون، وقومه بأن نجعلهم في مساكنهم { ونمكن لهم في الأرض } أي نوطن لهم أرض مصر والشام، ونجعلها لهم سكناً { ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } أي يخافون وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل وكانوا على حذر منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون. قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى } هو وحي إلهام، وذلك بأن قذف في قلبها واسمها يوحانذ من نسل لاوي بن يعقوب { أن أرضعيه } قيل أرضعته ثمانية أشهر وقيل أربعة وقيل ثلاثة وكانت ترضعه، وهو لا يبكي ولا يتحرك في حجرها { فإذا خفت عليه } أي الذبح { فألقيه في اليم } أي في البحر وأراد نيل مصر { ولا تخافي } أي عليه من الغرق وقيل الضيعة { ولا تحزني } أي على فراقه { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } قال ابن عباس إن بني إسرئيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يد نبيه موسى عليه الصلاة والسلام. ذكر القصة في ذلك قال ابن عباس: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، كانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها، وقالت لها: قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم، فعالجت قبالها فلما وقع موسى بالأرض هالها نور عيني موسى فارتعش كل مفصل فيها، ودخل حب موسى قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا مرادي قتل ولدك، ولكن وجدت لولدك حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا إلى أم موسى، فقالت أخته: يا أماه هذا الحرس بالباب فلفته بخرقة وألقته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى ولم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن فقالوا ما أدخل القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخته فأين الصبي؟ فقالت: لا أدري فسمعت بكاء الصبي في التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه برداً وسلاماً فاحتملته، قال: ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في قلبها أن تتخذ تابوتاً له ثم تقذف التابوت في النيل فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتاً صغيراً فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت؟ فقالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته، وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطلق الكلام وجعل يشير بيديه فلم تدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضاً يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام، ولم يبصر شيئاً فضربوه وأخرجوه، وبقي حيران فجعل لله عليه إن رد عليه لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه فيحفظه، حيثما كان فعرف الله صدقه فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجداً فقال يا رب: دلني على هذا العبد الصالح فدله عليه فآمن به وصدقه وقال وهب لما حملت أم موسى بموسى، كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله تعالى وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي ولد فيها، بعث فرعون القوابل وتقدم الأمين ففتش النساء تفتيشاً لم يفتش قبل ذلك مثله، وحملت بموسى ولم يتغير لونها ولم ينب بطنها فكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم وأوحى الله إليها { أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } فكتمته ثلاثة أشهر فلما خافت عليه عملت تابوتاً، مطبقاً، ثم ألقته في اليم وهو البحر ليلاً.

السابقالتالي
2 3