الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ }

{ فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } يعني واضحات { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } يعني مختلق { وما سمعنا بهذا } يعني بالذي تدعونا إليه { في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده } يعني أنه يعلم المحق من المبطل { ومن تكون له عاقبة الدار } يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة { إنه لا يفلح الظالمون } يعني الكافرون { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري } فيه إنكار لما جاء به موسى من توحيد الله وعبادته { فأوقد لي يا هامان على الطين } يعني اطبخ لي الآجر قيل إنه أول من اتخذ آجراً وبنى به { فاجعل لي صرحاً } أي قصراً عالياً وقيل منارة. قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء وطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء فبنوه ورفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دماً فقال: قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده راكباً على البراذين فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منهم على عسكره فقتلت منهم ألف رجل ووقعت قطعه منه في البحر وقطعة في المغرب فلم يبق أحد عمل شيئاً فيه إلا هلك فذلك قوله { لعلي أطلع إلى إله موسى } يعني أنظر إليه وأقف على حاله { وإني لأظنه } يعني موسى { من الكاذبين } يعني في زعمه أن للأرض والخلق إلهاً غيري وأنه أرسله { واستكبر هو وجنوده في الأرض } يعني تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق بالباطل والظلم { بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } يعني للحساب والجزاء { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } يعني فألقيناهم في البحر وهو القلزم { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } يعني حين صاروا إلى الهلاك { وجعلناهم أئمة } يعني قادة ورؤساء { يدعون إلى النار } أي الكفر والمعاصي التي يستحقون بها النار لأن من أطاعهم ضل ودخل النار { ويوم القيامة لا ينصرون } يعني لا يمنعون من العذاب { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } يعني خزياً وبعداً وعذاباً { ويوم القيامة هم من المقبوحين } يعني المبعدين وقيل المهلكين. وقال ابن عباس من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون. وقوله عز وجل { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا قبل موسى { بصائر للناس } ليبصروا ذلك فيهتدوا به { وهدى } يعني من الضلالة لمن عمل به { ورحمة } يعني لمن آمن به { لعلهم يتذكرون } يعني بما فيه من المواعظ { وما كنت } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وما كنت يا محمد { بجانب الغربي } يعني بجانب الجبل الغربي قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه { إذ قضينا إلى موسى الأمر } يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون { وما كنت من الشاهدين } يعني الحاضرين ذلك المقام الذي أوحينا إلى موسى فيه فتذكره من ذات نفسك { ولكنا أنشأنا قروناً } يعني خلقنا بعد موسى أمماً { فتطاول عليهم العمر } يعني طالت عليهم المدة فنسوا عهد الله وتركوا أمره وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهوداً في محمد والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها { وما كنت ثاوياً } أي مقيماً { في أهل مدين } أي كمقام موسى وشعيب فيهم { تتلوا عليهم آياتنا } يعني تذكرهم بالوعد والوعيد وقيل معناه لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم { ولكنا كنا مرسلين } أي أرسلناك رسولاً وأنزلنا إليك كتاباً فيه هذه الأخبار لتتلوها عليه ولولا ذلك لما علمتها أنت ولم تخبرهم بها.