الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } * { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها } أي برد موسى إليها { ولا تحزن } أي لئلا تحزن { ولتعلم أن وعد الله حق } أي برده إليها { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن الله وعدها أن يرده إليها { ولما بلغ أشده } قيل الأشد ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين سنة وقيل الأشد ثلاث وثلاثون سنة { واستوى } أي بلغ أربعين سنة قاله ابن عباس: وقيل انتهى شبابه وتكامل { آتيناه حكماً وعلماً } أي عقلاً وفهماً في الدين فعلم وحكم موسى قبل أن يبعث نبياً { وكذلك نجزي المحسنين } قوله تعالى { ودخل المدينة } يعني موسى والمدينة قيل هي منف من أعمال مصر وقيل هي قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر وقيل هي مدينة شمس { على حين غفلة من أهلها } قيل هي نصف النهار واشتغال الناس بالقيلولة وقيل دخلها ما بين المغرب والعشاء وقيل سبب دخول المدينة في ذلك الوقت أن موسى كان يسمى ابن فرعون وكان يركب في مراكب فرعون ويلبس لباسه فركب فرعون يوماً وكان موسى غائباً فلما جاء قيل له إن فرعون قد ركب فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها وليس في أطرافها أحد. وقيل كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينه حتى أنكروا ذلك منه وخافوه وخافهم فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً على حين غفلة من أهلها. وقيل لما ضرب موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله قالت امرأته هو صغير فتركه وأمر بإخراجه من مدينته فأخرج منه فلم يدخل عليهم حتى كبر وبلغ أشده فدخل على حين غفلة من أهلها يعني عن ذكر موسى ونسيانهم خبره ولبعد عهدهم به. وعن علي أنه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم { فوجد فيها رجلين يقتتلان } أي يتخاصمان ويتنازعان { هذا من شيعته } أي من بني إسرائيل { وهذا من عدوه } يعني من القبط وقيل هذا مؤمن وهذا كافر وقيل الذي كان من الشيعة هو السامري والذي من عدوه هو طباخ فرعون واسمه فاتون وكان القبطي يريد أن يأخذ الإسرائيلي يحمله الحطب. وقال ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم فوجد موسى رجلين يقتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط { فاستغاثه الذي من شيعته } يعني الإسرائيلي { على الذي من عدوه } يعني الفرعوني والاستغاثة طلب الغوث والمعنى أنه سأله أن يخلصه منه وأن ينصره عليه فغضب موسى واشتد غضبه لأنه أخذه وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة فقال موسى للفرعوني: خلِّ سبيله فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة { فوكزه موسى } يعني ضربه بجميع كفه وقيل الوكز الضرب في الصدر وقيل الوكز الدفع بأطراف الأصابع { فقضى عليه } يعني قتله وفرغ من أمره فندم موسى عليه ولم يكن قصد القتل فدفنه في الرمل { قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } يعني بين الضلالة وقيل في قوله هذا إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه، والمعنى أن عمل هذا المقتول من عمل الشيطان والمراد منه بيان كونه مخالفاً لله سبحانه وتعالى مستحقاً للقتل وقيل هذا إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان وحزبه { قال رب إني ظلمت نفسي } يعني بقتل القبطي من غير أمر وقيل هو على سبيل الاتضاع لله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب.

السابقالتالي
2