الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }

{ رجال } قيل خص الرجال بالذكر في هذه المساجد، لأن النساء ليس عليهن حضور المساجد لجمعة ولا جماعة { لا تلهيهم } أي لا تشغلهم { تجارة } وقيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل الإنسان به عن الصلوات والطاعات، وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً، لأنه ذكر البيع بعده وقيل التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يده { ولا بيع } أي ولا يشغلهم بيع { عن ذكر الله } أي حضور المساجد لإقامة الصلوات { وإقام الصلاة } يعني إقامة الصلاة في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وروي عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المساجد فقال ابن عمر فيهم نزلت هذه الآية { رجال لا تلهيهم تجارة، ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة } { وإيتاء الزكاة } يعني المفروضة قال ابن عباس إذا حضر، وقت أداء الزكاة لا يحبسونها { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } يعني أن هؤلاء الرجال، وإن بالغوا في ذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلمهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته. قيل: إن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار. وقيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وترفع عن الأبصار الأغطية. وقيل: تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء فتخشى الهلاك وتطمع في النجاة، وتتقلب الأبصار من هول ذلك اليوم، من أي ناحية يؤخذ بهم أمن ذات اليمين، أم من ذات الشمال ومن أي يؤتون كتبهم أمن اليمين أم من قبل الشمال؟ وقيل: يتقلب القلب في الجوف، فيرفع إلى الحنجرة فلا ينزل ولا يخرج ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا } يعني أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا والمراد بالأحسن الحسنات كلها وهي الطاعات فرضها ونفلها، وذكر الأحسن تنبيهاً على أنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم، بل يغفرها لهم وقيل: إنه سبحانه وتعالى يجزيهم جزاء أحسن من أعالمهم، على الواحد من عشرة إلى سبعمائة ضعف { ويزيدهم من فضله } يعني أنه سبحانه وتعالى يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك بل يزيدهم من فضله { والله يرزق من يشاء بغير حساب } فيه تنبيه على كمال قدرته وكمال جوده وسعة إحسانه وفضله. قوله تعالى: { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } لما ضرب مثلاً لحال المؤمن وأنه في الدنيا والآخرة في نور، وأنه فائز بالنعيم المقيم، أتبعه بضرب مثل لأعمال الكفار وشبهه بالسراب وهو شبه ماء يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يظنه من رآه ماء، فإذا قرب منه لم ير شيئاً.

السابقالتالي
2