قوله تعالى: { فاستجبنا له ونجيناه من الغم } أي تلك الظلمات { وكذلك ننجي المؤمنين } أي من الكروب إذا دعونا واستغاثوا بنا. فإن قلت قد تمسك بمواضع من هذه القصة من أجاز وقوع الذنب من الأنبياء منها قوله{ إذ ذهب مغاضباً } [الأَنبياء: 87] ومنها{ فظن أن لن نقدر عليه } [الأَنبياء: 87] ومنها قوله{ إني كنت من الظالمين } [الأَنبياء: 87] قلت أما الجواب الكلي فقد اختلفوا في هذه الواقعة هل كانت من قبل الرسالة أم لا؟ فقال ابن عباس: كانت رسالته بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل قوله تعالى في الصافات بعد ذكر خروجه{ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } [الصافات: 147] فثبت بهذا أن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد أجاز بعضهم عليه الصغائر قبل النبوة ومنعها بعد النبوة وهو الصحيح. وأما الجواب التفصيلي لقوله إذ ذهب مغاضباً فحمله على أنه لقومه أو للملك أولى بحال الأنبياء وأما قوله{ فظن أن لن نقدر عليه } [الأَنبياء: 87] فقد تقدم معناه أي لن نضيق عليه وذلك أن يونس ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج. وإن الله تعالى لا يضيق عليه في اختياره وقيل هو من القدر لا من القدرة وأما قوله{ إني كنت من الظالمين } [الأَنبياء: 87] فالظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا اعتراف عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله، أو لدعائه بالعذاب على قومه وفي هذه الأشياء ترك الأفضل مع قدرته على تحصيله فكان ذلك ظلماً. وقيل كانت رسالته قبل هذه الواقعة بدليل قوله{ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } [الصافات: 139] فعلى هذا يكون الجواب عن هذه الواقعة ما تقدم من التفصيل والله أعلم. قوله عز وجل { وزكريا إذ نادى ربه } أي دعا ربه فقال { رب لا تذرني فرداً } أي وحيداً لا ولد لي يساعدني وارزقني وارثاً { وأنت خير الوارثين } هو ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه الوارث لهم وهذا على سبيل التمثيل والمجاز فهو كقوله وأنت خير الرازقين { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى } أي ولداً { وأصلحنا له زوجة } أي جعلناها ولوداً بعد ما كانت عقيماً وقيل كانت سيئة الخلق فأصلحها الله تعالى له بأن رزقها حسن الخلق { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } يعني الأنبياء المذكورين في هذه السورة. وقيل زكريا وأهل بيته، والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله عز وجل { ويدعوننا رغباً ورهباً } يعني إنهم ضموا إلى فعل الطاعات أمرين: أحدهما: الفزغ إلى الله لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة من عقابه. والثاني: الخشوع وهو قوله تعالى { وكانوا لنا خاشعين } الخشوع هو الخوف اللازم للقلب فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفاً من الوقوع في الإثم.