الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } * { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله عز وجل { ومن الشياطين } أي وسخرنا له من الشياطين { من يغوصون له } أي يدخلون تحت الماء فيخرجون له من قعر البحر الجواهر { ويعملون عملاً دون ذلك } أي دون الغوص وهو اختراع الصنائع العجيبة كما قاليعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } [سبأ: 13] الآية، ويتجاوزون في ذلك إلى أعمال المدن والقصور والصناعات كاتخاذ النورة والقوارير والصابون وغير ذلك { وكنا لهم حافظين } يعني حتى لا يخرجوا عن أمره، وقيل: حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا وذلك أنهم كانوا إذا عملوا عملاً في النهار وفرغ قبل الليل أفسدوه وخربوه. قيل: إن سليمان كان إذا بعث شيطاناً مع إنسان ليعمل له عملاً قال له إذا فرغ من عمله قبل الليل اشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ويخربه. قوله تعالى: { وأيوب إذ نادى ربه } يعني دعا ربه. ذكر قصة أيوب عليه السلام قال وهب بن منبه: كان أيوب رجلاً من الروم وهو أيوب بن أموص بن تارخ بن روم ابن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران، وكان الله تعالى قد اصطفاه ونبأه وبسط له الدنيا، وكانت له البثنية من أرض البلقاء من أعمال خوازم مع أرض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير مالا يكون لرجل أفضل منه في العدد والكثرة، كان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل له آلة كل فدان أتان لكل أتان من الولد اثنان أو ثلاثة أو ربع أو خمس وفوق ذلك، وكان الله تعالى قد أعطاه أهلاً وولداً من رجال ونساء وكان براً تقياً رحيماً بالمساكين يطعمهم ويكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وكان شاكراً لأنعم الله، مؤدياً لحق الله قد امتنع عن عدو الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرة والغفلة والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من أمر الدنيا، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وصدقوه: رجل من أهل اليمن يقال له النغر وقيل نغير، ورجلان من أهل بلده يقال لأحدهما تلدد والآخر صافر كان لهؤلاء مال، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات، وكان يقف فيهن حيثما أراد حتى رفع الله عيسى فحجب عن أربع. فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حجب عن السموات كلها إلا من استرق السمع، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه، فأدرك إبليس الحسد والبغي، فصعد سريعاً حتى وقف من السماء حيث كان يقف وقال: إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبداً أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك، ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج عن طاعتك، قال الله تعالى: انطلق فقد سلطتك على ماله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8