الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }

قوله تعالى: { فجعلهم جذاذاً } أي كسراً وقطعاً { إلا كبيراً لهم } أي تركه ولم يكسره ووضع الفأس في عنقه، ثم خرج وقيل ربطه على يده وكانت اثنين وسبعين صنماً بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من نحاس ورصاص وحجر وخشب وكان الصنم الكبير من الذهب مكللاً بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان وقوله { لعلهم إليه يرجعون } قيل معناه يرجعون إلى إبراهيم وإلى دينه وما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها وقيل معناه لعلهم يرجعون إلى الصنم فيسألونه ما لهؤلاء تكسروا وأنت صحيح والفأس في عنقك، فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنام مكسرة { قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين } أي في تكسيرها واجترائه عليها { قالوا سمعنا فتى يذكرهم } أي يسبهم ويعيبهم { يقال له إبراهيم } أي هو الذي نظن أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه { قالوا فأتوا به على أعين الناس } أي جيئوا به ظاهراً بمرأى الناس وإنما قاله نمرود { لعلهم يشهدون } أي عليه بأنه الذي فعل ذلك كرهوا أن يأخذوه بغير بينة وقيل معناه لعلهم يحضرون عذابه وما يصنع به فلما أتوا به { قالوا } له { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال } يعني إبراهيم { بل فعله كبيرهم هذا } غضب أن تعبدون معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن وأراد إبراهيم بذلك إقامة الحجة عليهم فذلك قوله { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } أي حتى يخبروا بمن فعل ذلك بهم، وقيل: معناه إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه أنا فعلت ذلك ق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة: هذه أختي " لفظ الترمذي قيل في قوله إني سقيم أي: سأسقم وقيل: سقيم القلب مغتم بضلالتكم. وأما قوله بل فعله كبيرهم هذا فإنه علق خبره بشرط نطقه كأنه قال: إن كان ينطق فهو على طريق التبكيت لقومه وقوله لسارة: هذه أختي، أي في الدين والإيمان قال الله تعالى:إنما المؤمنون إخوة } [الحجرات: 10] فكل هذه الألفاظ صدق في نفسها ليس فيها كذب. فإن قلت: قد سماها النبي صلى الله عليه وسلم كذبات بقوله: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات وقال في حديث الشفاعة ويذكر كذباته. قلت: معناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب، وإن كان حقاً في الباطن إلا هذه الكلمات ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها أشفق إبراهيم عليه الصلاة والسلام منها بمؤاخذته بها قال البغوي: وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم والأولى هو الأول للحديث، ويجوز أن يكون الله أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف حين أمر مناديه فقال: أيتها العير إنكم لسارقون ولم يكونوا سرقوا قال الإمام فخر الدين الرازي: وهذا القول مرغوب عنه، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذب لمصلحة ويأذن الله فيه فلنجوز هذا الاحتمال في كل ما أخبر الأنبياء عنه، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع ويطرق التهمة إلى كلها، الحديث محمول على المعاريض، فإنه فيها مندوحة عن الكذب.

السابقالتالي
2 3