الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } يعني الدوام والبقاء في الدنيا { أفإن مت فهم الخالدون } نزلت هذه الآية حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون نشمت بموته، فنفى الله الشماتة عنه بهذا والمعنى أن الله تعالى قضى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت ولا هم فإن مت أنت أفيبقى هؤلاء وفي معناه قول القائل:
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا   
{ كل نفس ذائقة الموت } هذا العموم مخصوص بقوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فإن الله تعالى حي لا يموت ولا يجوز عليه الموت. والذوق هاهنا عبارة عن مقدمات الموت وآلامه العظيمة قبل حلوله { ونبلوكم } أي نختبركم { بالشر والخير } أي بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر، وقيل مما تحبون وما تكرهون { فتنة } أي ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبون وصبركم فيما تكرهون { وإلينا ترجعون } أي للحساب والجزاء. قوله عزّ وجلّ { وإذا رآك الذين كفروا إن } أي ما { يتخذونك إلا هزواً } أي سخرياً قيل نزلت في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف { أهذا الذي يذكر آلهتكم } أي يقول بعضهم لبعض أهذا الذي يعيب ألهتكم والذكر يطلق على المدح والذم مع القرينة { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } وذلك أنهم كانوا يقولون لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو مسيلمة الكذاب قوله تعالى { خلق الإنسان من عجل } قيل معناه أن بنيته وخلقته من العجلة وعليها طبع، وقيل لما دخل الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة، فوقع فقيل خلق الإنسان من عجل وأورث بنيه العجلة وقيل معناه خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إياه، لأن خلقه كان بعد كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة، فأسرع في خلقه قبل مغيب الشمس فلما أحيا الروح رأسه قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس، وقيل خلق بسرعة وتعجيل على غير قياس خلق بنيه لأنهم خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة أطواراً أطواراً طوراً بعد طور وقيل خلق الإنسان من عجل أي من طين قال الشاعر:
والنخل ينبت بين الماء والعجل   
أي بين الماء والطين. وقيل أراد بالإنسان النوع الإنساني يدل عليه قوله { سأريكم آياتي فلا تستعجلون } وذلك أن المشركين كانوا يستعجلون العذاب، وقيل نزلت في النضر بن الحرث، ومعنى سأريكم آياتي أي مواعيدي فلا تطلبوا العذاب قبل وقته فأراهم يوم بدر، وقيل كانوا يستعجلون القيامة فلذلك قال تعالى { ويقولون } يعني المشركين { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } وهذا هو الاستعجال المذموم المذكور على سبيل الاستهزاء فبين تعالى أنهم إنما يقولون ذلك لجهلهم وغفلتهم، بين ما لهؤلاء المستهزئين فقال تعالى: { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون } يعني لا يدفعون { عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } قيل السياط { ولا هم ينصرون } أي لا يمنعون من العذاب والمعنى لو علموا لما أقاموا على كفرهم ولما استعجلوا بالعذاب ولما قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين { بل تأتيهم } يعني الساعة { بغتة } أي فجأة { فتبهتهم } أي تحيرهم { فلا يستطيعون ردها } أي صرفها ودفعها عنهم { ولا هم ينظرون } أي لا يمهلون للتوبة والمعذرة { وقد استهزىء برسل من قبلك } أي يا محمد كما استهزأ بك قومك { فحاق } أي نزل وأحاط { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } أي عقوبة استهزائهم وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.

السابقالتالي
2