الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } * { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

{ قال } يعني إبراهيم { سلام عليك } أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه وذلك لأنه لم يؤمن بقتاله على كفره، وقيل هذا سلام هجران ومفارقة، وقيل هو سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه { سأستغفر لك ربي } ، قيل إنه لما أعياه أمره وعده أن يراجع الله فيه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له، وقيل معناه سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة { إنه كان بي حفياً } أي براً لطيفاً والمراد أنه يستجيب لي إذا دعوته لأنه عودني الإجابة لدعائي { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } أي أفارقكم وأفارق ما تعبدون من دون الله وذلك أنه فارقهم وهاجر إلى الأرض المقدسة { وأدعو ربي } أي أعبد ربي الذي خلقني وأنعم علي { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً } أي أرجو أن لا أشقى بدعاء ربي وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام، ففيه التواضع له مع التعريض بشقاوتهم. قوله عز وجل { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } أي ذهب مهاجراً { وهبنا له } أي بعد الهجرة { إسحاق ويعقوب } أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه { وكلاًّ جعلنا نبياً } أي أنعمنا عليهما بالنبوة { ووهبنا لهم من رحمتنا } أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } يعني ثناء حسناً رفيعاً في أهل كل دين حتى دعا لهم أهل الأديان كلهم فهم يتولونهم ويثنون عليهم. قوله عز وجل { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً } قرىء بكسر اللام أي أخلص العبادة، والطاعة لله تعالى ولم يراء وقرىء بالفتح أي مختاراً اختاره الله تعالى ثم استخلصه واصطفاه { وكان رسولاً نبياً } فهذان وصفان مختلفان فكل رسول نبي ولا عكس { وناديناه من جانب الطور الأيمن } أي من ناحية يمين موسى، والطور جبل معروف بين مصر ومدين ويقال إن اسمه الزبير، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يا موسى إنى أنا رب العالمين { وقربناه } قال ابن عباس: قربه وكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير الأقلام، وقيل معناه رفع قدره ومنزلته أي وشرفناه بالمناجاة وهو قوله تعالى { نجياً } أي مناجياً { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً } وذلك أن موسى دعا ربه فقال واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي فأجاب الله دعوته، وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له وكان هارون أكبر من موسى. قوله عز وجل { واذكر في الكتاب إسماعيل } هو إسماعيل بن إبراهيم وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم { إنه كان صادق الوعد } قيل إنه لم يعد شيئاً إلا وفى به وقيل إنه وعد رجلاً أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد، حتى رجع إليه الرجل وقيل إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف، سئل الشعبي عن الرجل يعد ميعاداً إلى أي وقت ينتظر فقال إن وعده نهاراً فكل النهار وإن وعده ليلاً فكل الليل، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى { وكان رسولاً } إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا على هاجر أم أسماعيل بوادي مكة حين خلفهم إبراهيم، وجرهم هو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ وقحطان أبو قبائل اليمن { نبياً } أي مخبراً عن الله تعالى { وكان يأمر أهله } أي قومه وجميع أمته { بالصلاة والزكاة } قال ابن عباس: يريد الصلاة المفروضة عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا، وقيل كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاة والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم { وكان عند ربه مرضياً } أي قائماً لله بطاعته وقيل رضيه لنبوته ورسالته وهذا نهاية في المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعة بأعلى الدرجات.

السابقالتالي
2 3