الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } * { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }

قوله عز وجل: { فأجاءها المخاض } أي ألجأها وجاء بها والمخاض وجع الولادة { إلى جذع النخلة } وكانت نخلة يبست في الصحراء في شدة البرد ولم يكن لها سعف، وقيل التجأت إليها تستند إليها وتستمسك بها من شدة الطلق، ووجع الولادة { قالت يا ليتني مت قبل هذا } تمنت الموت استحياء من الناس وخوفاً من الفضيحة { وكنت نسياً منسياَ } يعني شيئاً حقيراً متروكاً لم يذكر، ولم يعرف لحقارته وقيل جيفة ملقاة، وقيل معناه أنها تمنت أنها لم تخلق { فناداها من تحتها } قيل إن مريم كانت على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها، وقيل ناداها من سفح الجبل وقيل هو عيسى وذلك أنه لما خرج من بطن أمه ناداها { أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } أي نهراً. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب جبريل عليه السلام، وقيل عيسى عليه السلام برجله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة، وجرت وقيل كان هناك نهر يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله سبحانه وتعالى وجنت النخلة اليابسة، فأورقت وأثمرت وأرطبت وقيل معنى تحتك تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى، وإن أمرته بالإمساك أمسك وقيل معنى سرياً أي عيسى وكان عبداً سرياً رفيعاً { وهزي إليك } أي حركي إليك { بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً } قيل الجنى الذي بلغ الغاية جاء أوان اجتنائه. قال الربيع بن خيثم: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل { فكلي واشربي } أي مريم كلي من الرطب واشربي من النهر { وقري عيناً } أي طيبي نفساً، وقيل قري عيناً بولدك عيسى، يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينيك عن النظر إلى غيره { فإما ترين من البشر أحداً } معناه يسألك عن ولدك { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } أي صمتاً، قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي، وقيل إن الله أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القول نطقاً ثم تمسك عن الكلام بعده وإنما منعت من الكلام لأمرين أحدهما: أن يكون عيسى عليه السلام هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها وفيه دلالة على أن تفويض الكلام إلى الأفضل أولى. والثاني: كراهة مجادلة السفهاء وفيه السكوت عن السفيه واجب { فلن أكلم اليوم إنسياً } يقال إنها كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس. قوله تعالى { فأتت به قومها تحمله } قيل إنها لما ولدت عيسى عليه السلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال: يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } أي عظيماً منكراً وقيل معناه جئت بأمر عجيب وبديع { يا أخت هارون } أي شبيهة هارون قيل كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألف من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس م عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت خراسان سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال:

السابقالتالي
2