الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } * { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً }

قوله عز وجل: { فخرج على قومه من المحراب } أي من الموضع الذي كان يصلي فيه وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه حتى يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون، إذ خرج إليهم زكريا متغيراً لونه فأنكروا ذلك عليه، وقالوا له ما لك { فأوحى } أي فأوما وأشار { إليهم } وقيل كتب لهم في الأرض { أن سبحوا } أي صلوا لله { بكرة وعشيا } المعنى أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشياً فيأمرهم بالصلاة، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع من الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة. قوله عز وجل { يا يحيى } فيه إضمار ومعناه وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى { خذ الكتاب } أي التوراة { بقوة } أي بجد واجتهاد { وآتيناه الحكم } قال ابن عباس: يعني النبوة { صبياً } وهو ابن ثلاث سنين وذلك أن الله تعالى حكم عقله وأوحى إليه، فإن قلت كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا. قلت لأن أصل النبوة مبني على خرق العادات، إذا ثبت هذا فلا تمنع صيرورة الصبي نبياً، وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو من أوتي الحكم صبياً { وحناناً من لدناً } أي رحمة من عندنا قال الحطيئة يخاطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا   
أي ترحم علي { وزكاة } قال ابن عباس: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص، وقيل هي العمل الصالح، ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم وعملاً صالحاً في إخلاصه { وكان تقياً } أي مسلماً مخلصاً مطيعاً، وكان من تقواه إنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها قط { وبراً بوالديه } أي باراً لطيفاً بهما محسناً إليهما لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى أعظم من بر الوالدين يدل عليه قوله تعالى { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } الآية { ولم يكن جباراً } الجبار المتكبر وقيل الذي يقتل ويضرب على الغضب، وقيل الجبار الذي لا يرى لأحد على نفسه حقاً وهو التعظيم بنفسه يرى أن لا يلزمه قضاء لأحد { عصياً } قيل هو أبلغ من المعاصي والمراد وصف يحيى بالتواضع ولين الجانب وهو من صفات المؤمنين { وسلام عليه يوم ولد ويوم يوم يموت ويوم يبعث حياً } معناه وأمان له من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم وأمان له يوم يموت من عذاب القبر ويوم يبعث حياً من عذاب يوم القيامة، وقيل أوحش ما يكون الخلق في ثلاث مواطن يوم يولد لأنه يرى نفسه خارجاً من مكان قد كان فيه، ويوم يموت لأنه يرى قوماً ما شاهدهم قط، ويوم يبعث لأنه يرى مشهداً عظيماً فأكرم الله تعالى يحيى في هذه المواطن كلها فخصه بالسلامة فيها.

السابقالتالي
2 3