الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }

{ قال } يعني يوشع { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } وهي صخرة كانت بالموضع الموعود { فإني نسيت الحوت } أي تركته وفقدته، وذلك أن يوشع حين رأى من الحوت ذلك قام ليدرك موسى فيخبره فنسي أن يخبره، فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم قال { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } أي وما أنساني أن أذكر لك أمر الحوت إلا الشيطان، قيل المراد من النسيان شغل قلب الإنسان بوساوس الشيطان التي هي فعله دون النسيان الذي يضاد الفكر لأن ذلك لا يصح إلا من قبل الله تعالى { واتخذ سبيله في البحر عجباً } قيل هذا من قول يوشع بن نون يعني وقع الحوت في البحر فاتخذ سبيله فيه مسلكاً. وروي في الخبر كان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً وقيل أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهراً ثم صار حياً بعد ما أكل بعضه. قوله عز وجل { قال } يعني موسى { ذلك ما كنا نبغ } نطلب { فارتدا على أثارهما قصصاً } أي رجعا يقصان الذي جاءا منه ويتبعانه { فوجدوا عبداً من عبادنا } قيل كان ملكاً من الملائكة والصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في التواريخ أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان وكنيته أبو العباس، قيل كان من بني إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا والخضر لقب له، سمي به لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت. خ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما سمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء " ، الفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة وقيل سمي خضراً لأنه كان إذا صلّى اخضر ما حوله. وروينا أن موسى رأى الخضر مسجى بثوب فسلم عليه، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال أنا موسى أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً. ومعنى مسجى أي مغطى بثوب وقوله وأنى بأرضك السلام معناه من أين بأرضك التي أنت فيها الآن السلام. وروي أنه لقيه على طنفسة خضراء على جانب البحر فذلك قوله سبحانه وتعالى { فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة } أي نعمة { من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } أي علم الباطن إلهاماً ولم يكن الخضر نبياً عند أكثر أهل العلم. فإن قلت ظاهر الآيات يدل على أن الخضر كان أعلى شأناً من موسى وكان موسى يظهر التواضع له والتأدب معه. قلت لا يخلو إما أن يكون الخضر من بني إسرائيل أو من غيرهم فإن كان من بني إسرائيل فهو من أمة موسى، ولا جائز أن يكون أحد الأمة أفضل من نبيها أو أعلى شأناً منه، وإن كان من غير بني إسرائيل فقد قال الله تعالى لبني إسرائيل

السابقالتالي
2