الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } * { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } * { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }

{ قيماً } أي مستقيماً وقال ابن عباس: عدلاً، وقيل قيماً على الكتب كلّها مصدقاً لها وناسخاً لشرائعها { لينذر بأساً شديداً } معناه لينذر الذين كفروا بأساً شديداً وهو قوله سبحانه وتعالى بعذاب بئيس { من لدنه } أي من عنده { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً } يعني الجنة { ماكثين فيه } أي مقيمين فيه { أبداً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم } أي بالولد وباتخاذه يعني أن قولهم لم يصدر عن علم بل عن جهل مفرط. فإن قلت اتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم. قلت انتفاء العلم يكون للجهل بالطريق الموصل إليه وقد يكون في نفسه محالاً لا يستقيم تعلق العلم به { ولا لآبائهم } أي ولا لأسلافهم من قبل { كبرت } أي عظمت { كلمة تخرج من أفواههم } أي هذا الذي يقولونه لا تحكم به عقولهم وفكرهم ألبتة لكونه في غاية الفساد والبطلان فكأنه يجري على لسانهم على سبيل التقليد { إن يقولون إلا كذباً } أي ما يقولون إلا كذباً قيل حقيقة الكذب أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر قولهم عنه وزاد بعضهم مع علم قائله أنه غير مطابق وهذا القيل باطل لأن الله سبحانه وتعالى وصف قولهم بإثبات الولد بكونه كذباً مع أن الكثير منهم يقولون ذلك ولا يعلمون كونه باطلاً فعلمنا أن كل خبر لا تطابق الخبر عنه فهو كذب والكذب خلاف الصدق، وقيل: هو الانصراف عن الحق إلى الباطل ورجل كذاب وكذوب إذا كان كثير الكذب. قوله عز وجل { فلعلك باخع نفسك } أي قاتل نفسك { على آثارهم } أي من بعدهم { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث } يعني القرآن { أسفاً } أي حزناً وقيل غيظاً { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } أي مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها، وقيل يعني النبات والشجر والأنهار، وقيل أراد به الرجال خاصة فهم زينة الأرض، وقيل أراد به العلماء والصلحاء وقيل جميع ما في الأرض هو زينة لها. فإن قلت أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين. قلت زينتها كونها تدل على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته، وقيل إن جميع ما في الأرض ثلاثة معدن ونبات وحيوان وأشرف أنواع الحيوان الإنسان، قيل الأولى أن لا يدخل في هذه الزينة المكلف، بدليل قوله تعالى: { لنبلوهم } فمن يبلو يجب أن لا يدخل في ذلك ومعنى لنبلوهم نختبرهم { أيهم أحسن عملاً } أي أصلح عملاً وقيل أيهم أترك للدنيا وأزهد فيها. { وإنا لجاعلون ما عليها } أي من الزينة، { صعيداً جرزاً } يعني مثل أرض لا نبات فيه شيء، قوله سبحانه وتعالى { أم حسبت } أي أظننت يا محمد { أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } أي هم عجب من آياتنا وقيل معناه أنهم ليسوا بأعجب آياتنا، فإن خلقنا من السموات والأرض وما فيهم من العجائب أعجب منهم والكهف الغر الواسع في الجبل، الرقيم هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم ثم وضع على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة، وعن ابن عباس أن الرقيم اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف وقال كعب الأحبار: هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه أصحاب الكهف ثم ذكر الله عز وجل قصة أصحاب الكهف فقال عز وجل من قائل { إذ أوى الفتية إلى الكهف } أي صاروا إليه، وجعلوه مأواهم، والفتية جمع فتى وهو الطري من الشباب { فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة } أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهب لنا الهداية والنصر والأمن من الأعداء { وهيىء لنا } أي أصلح لنا { من أمرنا رشداً } أي حتى نكون بسببه راشدين مهديين وقيل معناه واجعل أمرنا رشداً كله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10