الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } * { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }

قوله عز وجل: { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء } أي نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا، ومن يريد الآخرة { من عطاء ربك } يعني يرزقها جميعاً ثم يختلف الحال بهما في المآل { وما كان عطاء ربك محظوراً } أي ممنوعاً عن عباده والمراد بالعطاء العطاء في الدنيا إذ لا حظ للكافر في الآخرة { انظر } يا محمد { كيف فضلنا بعضهم على بعض } أي في الرزق والعمل يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } يعني أن تفاضل الخلق في درجات منافع الدنيا محسوس فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر وأعظم فإن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا، كنسبة الآخرة إلى الدنيا فإذا كان الإنسان تشتد رغبته في طلب الدنيا فلأن تقوى وتشتد رغبته في طلب الآخرة أولى، لأنها دار المقامة. قوله تعالى { لا تجعل مع الله إلهاً آخر } الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره وقيل معناه لا تجعل أيها الإنسان مع الله إلهاً آخر وهذا أولى { فتقعد مذموماً } أي من غير حمد { مخذولاً } أي بغير ناصر. قوله سبحانه وتعالى: { وقضى ربك } أي وأمر ربك. قاله ابن عباس: وقيل معناه وأوجب ربك. وقيل: معناه الحكم والجزم. وقيل: ووصى ربك. وحكي عن الضحاك أنه قرأها ووصى ربك وقال: إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصار قافاً وهي قراءة علي وابن مسعود. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير هذا القول بعيد جداً لأنه يفتح باب أن التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن ولو جوزنا ذلك لارتفع الأمان على القرآن، وذلك يخرجه عن كونه حجة، ولا شك أنه طعن عظيم في الدين { ألاَّ تعبدوا إلا إياه } فيه وجوب عبادة الله، والمنع من عبادة غيره وهذا هو الحق لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن له الإنعام والإفضال على عباده ولا منعم إلا الله، فكان هو المستحق للعبادة لا غيره { وبالوالدين إحساناً } أي وأمر بالوالدين إحساناً أي براً بهما وعطفاً عليهما وإحساناً إليهما { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } معناه أنهما يبلغان إلى حالة الضعف، والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الجملة، كلف الإنسان في حق الوالدين خمسة أشياء: الأول قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } وهي كلمة تضجَّر وكراهية، وقيل: إن أصل هذه الكلمة أنه إذا سقط عليك تراب أو رماد، ونفخت فيه تزيله تقول: أف ثم إنهم توسعوا بذكر هذه الكلمة إلى كل مكروه يصل إليهم. والثاني: قوله { ولا تنهرهما } أي تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك يقال: نهره وانتهره بمعنى.

السابقالتالي
2 3