الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

قوله عز وجل { سبحان الذين أسرى بعبده ليلاً } روى ابن الجوزي " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن تفسير سبحان الله فقال: " تنزيه الله عن كل شيء " هكذا ذكره بغير سند وقال النحويون: سبحان اسم علم على التسبيح يقال سبحت الله تسبيحاً فالتسبيح هو المصدر وسبحان الله علم للتسبيح وتفسير سبحان الله، تنزيه الله عن كل سوء ونقيصة وأصله في اللغة التباعد فمعنى سبحان الله بعده ونزاهته عن كل ما لا يبغي { الذي أسرى } يقال سري به وأسري به لغتان { بعبده } أجمع المفسرون والعلماء والمتكلمون، أن المراد به محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلف أحد من الأمة في ذلك، وقوله بعبده إضافة تشريف وتعظيم وتبجيل وتفخيم وتكريم ومنه قول بعضهم.
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي   
قيل: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدرجات العالية والرتب الرفيعة ليلة المعراج، أوحى الله عز وجل إليه يا محمد بم شرفتك؟ قال: رب حيث نسبتني إلى نفسك بالعبودية. فأنزل الله سبحانه وتعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً. فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل. قلت: أراد بقوله ليلاً بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء وأنه أسري به في بعض ليلة من مكة إلى الشام مسيرة شهر أو أكثر، فدل تنكير الليل على البعضية { من المسجد الحرام } قيل كان الإسراء من نفس مسجد مكة وفي حديث مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر " وذكر حديث المعراج، وسيأتي بكماله فيما بعد وقيل عرج به من دار أم هانىء بنت أبي طالب وهي بنت عمه أخت علي رضي الله تعالى عنه، فعلى هذا أراد بالمسجد الحرام الحرم { إلى المسجد الأقصى } يعني إلى بيت المقدس سمي أقصى لبعده عن المسجد الحرام أو لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد { الذي باركنا حوله } يعني الأنهار والأشجار والثمار، وقيل سماه مباركاً لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي وقبلة الأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإليه تحشر الخلق يوم القيامة. فإن قلت: ظاهر الآية يدل على أن الإسراء كان إلى بيت المقدس والأحاديث الصحيحة تدل على أنه عرج به إلى السماء فكيف الجمع بين الدليلين، وما فائدة ذكر المسجد الأقصى فقط؟ قلت: قد كان الإسراء على ظهر البراق إلى المسجد الإقصى، ومنه كان عروجه إلى السماء على المعراج وفائدة ذكر المسجد الأقصى فقط أنه صلى الله عليه وسلم لو أخبر بصعوده إلى السماء أولاً لاشتد إنكارهم لذلك فلما أخبر أنه أسرى به إلى بيت المقدس، وبان لهم صدقه فيما أخبر به من العلامات التي فيه وصدقوه عليها أخبر بعد ذلك بعروجه إلى السماء، فجعل الإسراء إلى المسجد الأقصى كالتوطئة لمعراجه إلى السماء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد