الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ وعلى الذين هادوا } يعني اليهود { حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } يعني ما سبق ذكره وبيانه في سورة الأنعام وهو قوله تعالىوعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } [الأَنعام: 146] الآية { وما ظلمناهم } يعني بتحريم ذلك عليهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } يعني إنما حرمنا عليهم ما حرمنا بسبب بغيهم وظلمهم أنفسهم ونظيره قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وقوله تعالى { ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة } المقصود من هذه الآية بيان فضل الله وكرمه وسعة مغفرته ورحمته، لأن السوء لفظ جامع لكل فعل قبيح فيدخل تحته الكفر وسائر المعاصي وكل ما لا ينبغي وكل من عمل السوء فإنما يفعله بجهالة، لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر أو معصية، فإنما يصدر عنه بسبب جهله إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب أو لجهله بقدر من يعصيه، فثبت بهذا أن فعل السوء إنما يفعل بجهالة ثم إن الله تعالى وعد من عمل سوءاً بجهالة ثم تاب، وأصلح العمل في المستقبل أن يتوب عليه ويرحمه وهو قوله تعالى ثم تابوا من بعد ذلك، يعني من بعد عمل ذلك السوء { وأصلحوا } يعني أصلحوا العمل في المستقبل، وقيل معنى الإصلاح الاستقامة على التوبة { إن ربك من بعدها } يعني من بعد عمل السوء بالجهالة والتوبة منه { لغفور } يعني لمن تاب وآمن { رحيم } يعني بجميع المؤمنين والتائبين. قوله سبحانه وتعالى { إن إبراهيم كان أمة } حكى ابن الجوزي عن ابن الأنباري أنه قال: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة وفلان علامة ونسابة يقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه به. والعرب توقع الأسماء المبهمة على الجماعة وعلى الواحد كقوله تبارك وتعالىفنادته الملائكة } [آل عمران: 39] وإنما ناداه جبريل وحده، وإنما سمي إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمة لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال وصفات الخير الأخلاق الحميدة ما اجتمع في أمة. ومنه قول الشاعر:
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد   
ثم للمفسرين في معنى اللفظة أقوال أحدها: قول ابن مسعود: الأمة معلم الخير يعني أنه كان معلماً للخير يأتّم به أهل الدنيا. والثاني قال مجاهد: إنه كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار فلهذا المعنى كان أمة واحدة ومنه " قوله صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل " يبعثه الله أمة واحدة " " وإنما قال فيه المقالة لأنه كان فارق الجاهلية وما كانوا عليه من عبادة الأصنام. والثالث قال قتادة: ليس من أهل دين إلا وهم يتلونه ويرضونه، وقيل: الأمة فعلة بمعنى مفعولة، وهو الذي يؤتم به وكان إبراهيم عليه السلام إماماً يقتدى به دليله قوله سبحانه وتعالى

السابقالتالي
2