الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }

قوله تعالى: { وهو الذي مد الأرض } لما ذكر الدلالة على وحدانيته و كمال قدرته وهي رفع السماوات بغير عمد، وذكر أحوال الشمس والقمر أردفها بذكر الدلائل الأرضية، فقال: وهو الذي مد الأرض أي بسطها على وجه الماء، وقيل: كانت الأرض مجتمعة فمدها من تحت البيت الحرام، وهذا القول إنما يصح إذا قيل إن الأرض منسطحة كالأكف، وعند أصحاب الهيئة: الأرض كرة، ويمكن أن يقال: إن الكرة إذا كانت كبيرة عظيمة فكل قطعة منها تشاهد ممدودة كالسطح الكبير العظيم، فحصل الجمع ومع ذلك فالله تعالى قد أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها وبسطها وكل ذلك يدل على التسطيح والله تعالى أصدق قيلاً وأبين دليلاً من أصحاب الهيئة { وجعل فيها }. يعني في الأرض { رواسي } يعني جبالاً ثابتة، يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت وأرساه غير أثبته قال ابن عباس: كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض { وأنهاراً } ، يعني وجعل في الأرض أنهاراً جارية لمنافع الخلق { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } يعني صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلواً وحامضاً { يغشي الليل النهار } ، يعني يلبس النهار ظلمة الليل ويلبس الليل ضوء النهار { إن في ذلك } يعني الذي تقدم ذكره من عجائب صنعته وغرائب قدرته الدالة على وحدانيته { لآيات } أي دلالات { لقوم يتفكرون } يعني فيستدلون بالصنعة على الصانع، وبالسبب على المسبب، والفكر هو تصرف القلب في طلب الأشياء، وقال صاحب المفردات: الفكر قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ولهذا روي " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله " إذ كان الله منزلها أن يوصف بصورة. و قال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لأنه يستعمل في طلب المعاني، وهو فرك الأمور وبحثها طلباً للوصول الى حقيقتها. قوله عز وجل { وفي الأرض قطع متجاورات } يعني متقاربات بعضها من بعض، وهي مختلفة في الطبائع فهذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع { وجنات } يعني بساتين والجنة كل بستان ذي شجر من نخيل وأعناب وغير ذلك، سمي جنة لأنه يستر بأشجاره الأرض وإليه الإشارة بقوله { من أعناب وزرع ونخيل صنوان } جمع صنو وهي النخلات يجتمعن من أصل واحد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس " عم الرجل صنو أبيه " يعني أنهما من أصل واحد { وغير صنوان } هي النخلة المنفردة بأصلها فالصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق { يسقى بماء واحد } يعني أشجار الجنات وزروعها، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام، وقيل: في حده جوهر سيال به قوام الأرواح { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } يعني في الطعم ما بين الحلو والحامض والعفص وغير ذلك من الطعام.

السابقالتالي
2 3