الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } * { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

{ قال معاذ الله } يعني: قال يوسف أعوذ بالله معاذاً { أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } لم يقل سرق تحرزاً عن الكذب لأنه يعلم أخاه ليس بسارق { إنا إذاً لظالمون } يعني إن أخذنا بريئاً بذنب غيره فإن قلت كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذه الأعمال بأبيه ولم يخبره بمكانه وحبس أخاه أيضاً عنده مع علمه بشدة وجد أبيه عليه ففيه ما فيه من العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة وكيف يجوز ليوسف مع علو منصبه من النبوة والرسالة أن يزور على إخوته ويروج عليهم مثل هذا مع ما فيه من الإيذاء لهم فكيف يليق به هذا كله قلت قد ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة كثيرة وأحسنها وأصحها أنه إنما فعل ذلك بأمر الله تعالى له لا عن أمره وإنما أمره الله بذلك ليزيد بلاء يعقوب فيضاعف له الأجر على البلاء ويلحقه بدرجة آبائه الماضين لله تعالى أسرار لا يعلمها أحد من خلقه فهو المتصرف في خلقه بما يشاء وهو الذي أخفى خبر يوسف عن يعقوب في طول هذه المدة مع قرب المسافة لما يريد أن يدبره فيهم والله أعلم بأحوال عباده. قوله عز وجل: { فلما استيأسوا منه } يعني أيسوا من يوسف أن يجيبهم لما سألوه، وقيل: أيسوا من أخيهم أن يرد عليهم، وقال أبو عبيدة: استيأسوا أي استيقنوا أن الأخ لا يرد إليهم { خلصوا نجياً } يعني خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون ليس فيهم غيرهم { قال كبيرهم } يعني في العقل والعلم لا في السن، قال ابن عباس: الكبير يهوذا وكان أعقلهم وقال مجاهد هو شمعون وكانت له الرئاسة على إخوته، وقال قتادة والسدي والضحاك: هو روبيل وكان أكبرهم سناً وأحسنهم رأياً في يوسف لأنه نهاهم عن قتله { ألم تعلموا أن أباكم } يعني يعقوب { قد أخذ عليكم موثقاً } يعني عهداً { من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف } يعني قصرتم في أمر يوسف حتى ضيعتموه { فلن أبرح الأرض } يعني الأرض التي أنا فيها وهي أرض مصر والمعنى فلن أخرج من أرض مصر ولا أفارقها على هذه الصورة { حتى يأذن لي أبي } يعني في الخروج من أرض مصر فيدعوني إليه { أو يحكم الله لي } برد أخي عليّ أو بخروجي معكم وترك أخي أو يحكم الله لي بالسيف فأقاتلهم حتى أسترد أخي { وهو خير الحاكمين } لأنه يحكم بالحق والعدل والإنصاف، والمراد من هذا الكلام الالتجاء إلى الله تعالى في إقامة عذره عند والده يعقوب عليه الصلاة والسلام.