الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } * { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { قالوا } يعني إخوة يوسف { إن يسرق } يعني بنيامين الصواع { فقد سرق أخ له من قبل } يعني يوسف ظاهر الآية يقتضي أن إخوة يوسف قالوا للملك إن هذا الأمر ليس بغريب منه فإن أخاه الذي هلك كان سارقاً أيضاً وكان غرضهم من هذا الكلام أنّ لسنا على طريقته ولا على سيرته بل هذا وأخوه كان على هذه الطريقة وهذه السيرة لأنهما من أم أخرى غير أمنا. واختلفوا في السرقة التي ينسبوها إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقال سعيد بن جبير وقتادة: وكان لجده أبي أمه صنم وكان يعبده فأخذه يوسف وكسره وألقاه في الطريق لئلا يعبده، وقال مجاهد: إن يوسف جاءه سائل يوماً فأخذ بيضة من البيت فناولها له، وقال سفيان بن عيينة أخذ دجاجة من الطير الذي كان في بيت يعقوب فأعطاها سائلاً، وقال وهب: كان يخبئ الطعام من المائدة للفقراء. وذكر محمد بن إسحاق: إن يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت أمه راحيل فحضنته عمته وأحبته حباً شديداً فلما ترعرع وكبر وقعت محبة يعقوب عليه فأحبه فقال لأخته يا أختاه سلمي إلي يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة واحدة فقالت لا أعطيكه فقال لها والله ما أنا بتاركه عندك فقالت دعه عندي أياماً أنظر إليه لعل ذلك يسليني عنه ففعل ذلك فعمدت إلى منطقة كانت لإسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وكانت أكبر أولاد إسحاق فكانت عندها فشدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو صغير لا يشعر ثم قالت لقد فقدت منطقة إسحاق ففتشوا أهل البيت فوجودها مع يوسف فقالت إنه لسلم لي يعني يوسف فقال يعقوب إن كان قد فعل فهو سلم لك فأمسكته عندها حتى ماتت فلذلك قال إخوة يوسف إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون هذه السرقة قال الأنباري: وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ولكنها تشبه السرقة فعيروه بها عند الغضب { فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم } في هاء الكناية ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي بعدها وهي قوله تعالى { قال } يعني يوسف { أنتم شر مكاناً } روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس والثاني أن الضمير يرجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه وهي قولهم فقد سرق أخ له من قبل وهذا معنى قول أبي صالح عن ابن عباس، فعلى هذا القول يكون المعنى فأسر يوسف جواب الكلمة التي قالوها في حقه ولم يجبهم عليها والثالث أن الضمير يرجع إلى الحجة فيكون المعنى على هذا القول فأسر يوسف الاحتجاج عليهم في ادعائهم عليه السرقة ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً يعني منزلة عند الله ممن رميتموه بالسرقة لأنه لم يكن من يوسف سرقة في الحقيقة وخيانتكم حقيقة { والله أعلم بما تصفون } يعني بحقيقة ما تقولون.

السابقالتالي
2