الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } * { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

{ إذ قال يوسف لأبيه } أي اذكر يا محمد لقومك قول يوسف لأبيه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وعليهم أجمعين خ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " ويوسف اسم عبري ولذلك لا يجري فيه الصرف وقيل هو عربي سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال الأسف أشد الحزن والأسيف العبد واجتمعا في يوسف فسمي به { يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } معناه قال أهل التفسير: رأى يوسف في منامه كأن أحد عشر كوكباً نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر فسجدوا له وكانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وكان النجوم في التأويل إخوته وكانوا أحد عشر رجلاً يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم والشمس أبوه والقمر أمه في قول قتادة، وقال السدي: القمر خالته لأن أمه راحيل كانت قد ماتت. وقال قتادة وابن جريج: القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة وقيل سبع سنين وأراد بالسجود تواضعهم له ودخولهم تحت أمره وقيل أراد به حقيقة السجود لأنه كان في ذلك الزمان التحية فيما بينهم السجود. فإن قلت: إن الكواكب جماد لا تعقل فكيف عبر عنها بكناية من يعقل في قوله رأيتهم ولم يقل رأيتها وقوله: ساجدين ولم يقل ساجدات. قلت: لما أخبرنا عنها بفعل من يعقل وهو السجود كنى عنها بكناية من يعقل فهو كقولهيا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } [النمل: 18] وقيل إن الفلاسفة والمنجمين يزعمون أن الكواكب أحياء نواطق حساسة فيجوز أن يعبر عنها بكناية من يعقل وهذا القول ليس بشيء والأول أصح فإن قلت قد قال { إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر } ثم أعاد لفظ الرؤيا ثانياً فقال { رأيتهم لي ساجدين } فما فائدة هذا التكرار. قلت: معنى الرؤيا الأولى أنه رأى أجرام الكواكب والشمس والقمر ومعنى الرؤيا الثانية أنه أخبر بسجودها له وقال بعضهم. معناه أنه لمَّا قال: { إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر } فكأنه قيل له: وكيف رأيت؟ قال: { رأيتهم لي ساجدين } وإنما أفرد الشمس والقمر بالذكر وإن كانا من جملة الكواكب للدلالة على فضلهما وشرفهما على سائر الكواكب قال أهل التفسير: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان شديد الحب ليوسف عليه الصلاة والسلام فحسده إخوته لهذا السبب وظهر ذلك ليعقوب، فلما رأى يوسف هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فلهذا { قال } يعقوب { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك } يعني لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها { فيكيدوا لك كيداً } أي: فيحتالوا في إهلاكك فأمره بكتمان رؤياه عن إخوته لأن رؤيا الأنبياء وحي وحق واللام في فيكيدوا لك كيداً تأكيداً للصلة كقولك: نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } يعني أنه بيّن العداوة، لأن عداوته قديمة فهم إن أقدموا على الكيد كان ذلك مضافاً إلى تزيين الشيطان ووسوسته ق عن أبي قتادة قال: كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

السابقالتالي
2