الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } * { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

{ يا صاحبي السجن } يريد يا صاحبيَّ في السجن فأضافهما إلى السجن كما تقول يا سارق الليلة لأن الليلة مسروق فيها غير مسروقة ويجوز أن يريد يا ساكني السجن كقوله أصحاب النار وأصحاب الجنة { أأرباب متفرقون } يعني أآلهة شتى من ذهب وفضة وصفر وحديد وحشب وحجارة وغير ذلك وصغير وكبير ومتوسط متباينون في الصفة وهي مع ذلك لا تضر ولا تنفع { خير أم الله الواحد القهار } يعني أن هذه الأصنام أعظم صفة في المدح واستحقاق اسم الإلهية والعبادة أم الله الواحد القهار، قال الخطابي: الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده وقيل هو المنقطع عن القرين والمعدوم الشريك والنظير وليس هو كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة لأن ذلك قد يكثر بانضمام بعضها إلى بعض والواحد ليس كذلك فهو الله الواحد الذي لا مثل له ولا يشبهه شيء من خلقه القهار، قال الخطابي: القهار هو الذي قهر الجبابرة من خلقه بالعقوبة وقهر الخلق كلهم بالموت، وقال غيره: القهار هو الذي قهر كل شيء وذلـله فاستسلم وانقاد وذل له، والمعنى أن هذه الأصنام التي تعبدونها ذليلة مقهورة إذا أراد الإنسان كسرها وإهانتها قدر عليه والله هو الواحد في ملكه القهار لعباده الذي لا يغلبه شيء وهو الغالب لكل شيء سبحانه وتعالى ثم بين عجز الأصنام وأنها لا شيء البتة فقال { ما تعبدون من دونه } يعني من دون الله وإنما قال تعبدون بلفظ الجمع وقد ابتدأ بالتثنية في المخاطبة لأنه أراد جميع من في السجن من المشركين { إلا أسماء سميتموها } يعني سميتموها آلهة وأرباباً وهي حجارة جمادات خالية عن المعنى لا حقيقة لها { أنتم وآباؤكم } يعني من قبلكم سموها آلة { ما أنزل الله بها من سلطان } يعني أن تسمية الأصنام آلهة لا حجة لكم بها ولا برهان ولا أمر الله بها وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله أمرنا بهذه التسمية فرد الله عليهم بقوله: { ما أنزل الله بها من سلطان أن الحكم إلا لله } يعني أن الحكم والقضاء والأمر والنهي لله تعالى لا شريك له في ذلك { أمر أن لا تعبدوا إلا إياه } لأنه هو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي سميتموها آلهة { ذلك الدين القيم } يعني عبادة الله هي الدين المستقيم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ذلك. ولما فرغ يوسف عليه الصلاة والسلام من الدعاء إلى الله وعبادته رجع إلى تعبير رؤياهما فقال { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمراً } يعني أن صاحب شراب الملك يرجع إلى منزلته ويسقي الملك خمراً كما كان يسقيه أولاً والعناقيد الثلاثة هي ثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعو به الملك ويرده إلى منزلته التي كان عليها { وأما الآخر فيصلب } يعني صاحب طعام الملك والسلال الثلاث ثلاثة أيام ثم يدعو به الملك فيصلبه { فتأكل الطير من رأسه } قال ابن مسعود رضي الله عنه فلما سمعا قول يوسف عليه الصلاة والسلام قالا ما رأينا شيئاً إنما كنا نلعب قال يوسف { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } يعني فرغ من الأمر الذي سألتما عنه ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به رأيتما شيئاً أم لم تريا { وقال } يعني يوسف { للذي ظن } يعني علم وتحقق فالظن بمعنى العلم { أنه ناج منهما } يعني ساقي الملك { اذكرني عند ربك } يعني سيدك وهو الملك الأكبر فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً مظلوماً طال حبسه { فأنساه الشيطان ذكر ربه } في هاء الكناية في فأنساه إلى من تعود قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى الساقي وهو قول عامة المفسرين والمعنى فأنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك قالوا لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي حتى أنساه ذكر يوسف أولى من صرفها إلى يوسف.

السابقالتالي
2 3