الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }

{ بقيت الله خير لكم } قال ابن عباس يعني ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير لكم مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله يعني طاعة الله خير لكم وقيل بقية الله يعني ما أبقاه لكم من الثواب في الآخرة خير لكم مما يحصل لكم في الدنيا من المال الحرام { إن كنتم مؤمنين } يعني مصدقين بما قلت لكم وأمرتكم به ونهيتكم عنه { وما أنا عليكم بحفيظ } يعني أحفظ أعمالكم قال بعضهم إنما قال لهم شعيب ذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم { قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا } يعني من الأصنام { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } يعني من الزيادة والنقصان، قال ابن عباس: كان شعيب كثير الصلاة فلذلك قالوا هذا وقيل إنهم كانوا يمرون به فيرونه يصلي فيستهزئون به ويقولون هذه المقالة، وقال الأعمش: أقراءتك لأن الصلاة تطلق على القراءة والدعاء وقيل المراد بالصلاة هنا الدين يعني أدينك يأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وأن نفعل في أموالنا ما نشاء وذلك أنهم كانوا ينقصون الدراهم والدنانير فكان شعيب عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويخبرهم أنه محرم عليهم وإنما ذكر الصلاة لأنها من أعظم شعائر الدين { إنك لأنت الحليم الرشيد } قال ابن عباس: أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون للديغ سليم وللفلاة المهلكة مفازة، وقيل: هو على حقيقته وإنما قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية، وقيل: معناه إنك لأنت الحليم الرشيد في زعمك وقيل هو على بابه من الصحة ومعناه إنك يا شعيب فينا حليم رشيد فلا يحمل بك شق عصا قومك ومخالفتهم في دينهم { قال } يعني قال لهم شعيب { يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي } يعني: على بصيرة وهداية وبيان { ورزقني منه رزقاً حسناً } يعني حلالاً قيل كان شعيب كثير المال الحلال والنعمة وقيل الرزق الحسن ما أتاه الله من العلم والهداية والنبوة والمعرفة وجواب إن الشرطية محذوف تقديره أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال والهداية والمعرفة والنبوة فهل يسعني مع هذه النعمة أن أخون في وحيه أو أن أخالف أمره أو أتبع الضلال أو أبخس الناس أشياءهم، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم ذلك أنهم قالوا له إنك لأنت الحليم الرشيد والمعنى فكيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه وله عليه نعم كثيرة وقوله: { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } قال صاحب الكشاف يقول خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويقال الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه وارداً وأنا ذاهب عنه صداراً ومنه قوله { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } أي أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم.

السابقالتالي
2