الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } * { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } يعني آلآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية، والمخاطب لفرعون بهذا هو جبريل عليه السلام وقيل الملائكة. وقيل: إن القائل لذلك هو الله تعالى عرف فرعون قبح صنعه وما كان عليه من الفساد في الأرض ويدل على هذا القول قوله سبحانه وتعالى فاليوم ننجيك ببدنك، والقول الأول أشهر ويعضده ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما أغرق الله فرعون قال آمنت أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن. وفي رواية أخرى عنه عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " أن جبريل عليه السلام جعل يدس في فيّ فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه الله " أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. فصل: في الكلام على هذا الحديث لأنه في الظاهر مشكل فيحتاج إلى بيان وإيضاح فنقول قد ورد هذا الحديث على طريقين مختلفين عن ابن عباس، ففي الطريق الأول عن ابن زيد بن جدعان وهو وإن كان قد ضعفه يحيى بن معين وغيره فإنه كان شيخاً نبيلاً صدوقاً ولكنه كان سيئ الحفظ ويغلط وقد احتمل الناس حديثه وإنما يخشى من حديثه إذا لم يتابع عليه أو خالفه فيه الثقات وكلاهما منتف في هذا الحديث لأن في الطريق الآخر شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير وهذا الإسناد على شرط البخاري، ورواه أيضاً شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وعطاء بن السائب ثقة قد أخرج له مسلم فهو على شرط مسلم وإن كان عطاء قد تكلم فيه من قبل اختلاطه فإنما يخاف منه ما انفرد به أو خولف فيه وكلاهما منتف فقد علم بهذا أن لهذا الحديث أصلاً وأن رواته ثقات ليس فيهم متهم وإن كان فيهم من هو سيئ الحفظ فقد تابعه عليه غيره. فإن قلت ففي الحديث الثاني شك في رفعه إنما هو جزم بأن أحد الرجلين رفعه وشك شعبة في تعيينه هل هو عطاء بن السائب أو عدي بن ثابت وكلاهما ثقة فإذا رفعه أحدهما وشك في تعيينه لم يكن هذا علة في الحديث وقوله من حال البحر أي من طين البحر كما في الرواية الأخرى.

السابقالتالي
2 3 4 5