الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قوله سبحانه وتعالى: { ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض } ألا كلمة تنبيه معناه أنه لا ملك لأحد في السموات ولا في الأرض إلا لله عز وجل فهو يملك من في السموات ومن في الأرض. فإن قلت قال سبحانه وتعالى في الآية التي قبل هذه ألا إن لله ما في السموات بلفظة ما وقال سبحانه وتعالى في هذه الآية بلفظة من فمن فائدة ذلك؟ قلت إن لفظة ما تدل على ما لا يعقل ولفظة من تدل على من يعقل فمجموع الآيتين يدل على أن الله عز وجل يملك جميع من في السموات ومن في الأرض من العقلاء وغيرهم وهم عبيده وفي ملكه. وقيل: إن لفظة من لمن يعقل فيكون المراد بمن في السموات الملائكة والعقلاء ومن في الأرض الإنس والجن وهم العقلاء أيضاً وإنما خصهم بالذكر لشرفهم وإذا كان هؤلاء العقال المميزون في ملكه وتحت قدرته فالجمادات بطريق الأولى أن يكونوا في ملكه إذا ثبت هذا فتكون الأصنام التي يعبدها المشركون أيضاً في ملكه وتحت قبضته وقدرته ويكون ذلك قدحاً في جعل الأصنام شركاء لله معبودة دونه { وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء } لفظة ما استفهاميه معناه وأي شيء يتبع الذي يدعون من دون الله شركاء والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء لأنهم يعبدونها على أنها شركاء لله تشفع لهم وليس الأمر على ما يظنون وهو قوله سبحانه وتعالى: { إن يتبعون إلا الظن } يعني أن فعلهم ذلك ظن منهم أنها تشفع لهم وأنها تقربهم إلى الله وذلك ظن منهم لا حقيقة له { وإن هم إلا يخرصون } يعني إن هم إلا يكذبون في دعواهم ذلك. قوله عز وجل: { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً } يعني هو الله ربكم الذي خلق لكم الليل راحة لتسكنوا فيه وليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وأصل السكون الثبوت بعد الحركة والنهار مبصراً وجعل النهار مضيئاً لتهتدوا فيه لحوائجكم وأسباب معايشكم وأضاف الإبصار إلى النهار وإنما يبصر فيه وليس النهار مما يبصر ولكن لما كان مفهوماً من كلام العرب معناه خاطبهم بلغتهم وما يفهمونه قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم   
فأضاف النوم إلى الليل ووصفه به وإنما عنى نفسه وأنه لم يكن نائماً ولا بعيره وهذا من باب نقل الاسم من المسبب إلى السبب قال قطرب تقول العرب أظلم الليل وأبصر النهار بمعنى صار ذا ظلمة وذا ضياء. قوله تعالى: { إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } يعني يسمعون سمع اعتبار وتدبر فيعلمون بذلك أن الذي خلق هذه الأشياء كلها هو الإله المعبود المنفرد بالوحدانية في الوجود { قالوا } يعني المشركين { اتخذ الله ولداً } يعني به قولهم الملائكة بنات الله { سبحانه } نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد { هو الغني } يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها { له ما في السموات وما في الأرض } يعني أنه مالك ما في السموات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.

السابقالتالي
2