الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } * { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } * { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } * { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

{ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا { بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } بالقرآن { ثَمَناً قَلِيلاً } عرضاً يسيراً وهو إتباع الأهواء والشهوات { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ } فعدلوا عنه وصرفوا غيرهم { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بئس الصنيع صنيعهم { لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } ولا تكرار، لأن الأول على الخصوص حيث قال { فيكُمْ } والثاني على العموم لأنه قال { فِى مُؤْمِنٍ } { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة { فَإِن تَابُواْ } عن الكفر { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوٰنُكُمْ } فهم إخوانكم على حذف المبتدأ { فِى ٱلدّينِ } لا في النسب { وَنُفَصّلُ ٱلأيَـٰتِ } ونبينها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يفهمون فيتفكرون فيها وهذا اعتراض، كأنه قيل: وإن من تأمل تفصيلها فهو العالم تحريضاً على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } أي نقضوا العهود المؤكد بالأيمان { وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } وعابوه { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم وهم رؤساء الشرك، أو زعماء قريش الذين هموا بإخراج الرسول وقالوا: إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعناً ظاهراً جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة. { أَئِمَّةَ } بهمزتين: كوفي وشامي، الباقون: بهمزة واحدة غير ممدودة بعدها ياء مكسرورة، أصلها «أأممة» لأنها جمع إمام كعماد وأعمدة، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الأخرى. فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الأصل، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها { إنهم لا أيمان لهم } وإنما أثبت لهم الإيمان في قوله { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } لأنه أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال { لا إيْمَـٰنَ لَهُمْ } على الحقيقة وهو دليل لنا على أن يمين الكافر لا تكون يميناً، ومعناه عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يوفون بها لأن يمينهم يمين عنده حيث وصفها بالنكث. { لا أَيْمَـٰنَ } شامي أي لا إسلام { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } متعلق بـ { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } وما بينها اعتراض أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم انتهاءهم عما هم عليه بعدما وجد منهم من العظائم، وهذا من غاية كرمه على المسيء. ثم حرض على القتال فقال:

{ أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } التي حلفوها في المعاهدة { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } من مكة { وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بالقتال والبادىء أظلم فما يمنعكم من أن تقاتلوهم، وبخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها، ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب { أَتَخْشَوْنَهُمْ } توبيخ على الخشية منهم { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } بأن تخشوه فقاتلوا أعداءه { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فاخشوه أي إن قضية الإيمان الكامل أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه.

السابقالتالي
2 3