الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } وضع أساس ما يبنيه { عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } هذا سؤال تقرير وجوابه مسكوت عنه لوضوحه، والمعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة وهي تقوى الله ورضوانه، خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وهو الباطل والنفاق الذي مثله شفا جرف هار في قلة الثبات والاستمساك، وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى. والشفا: الحرف والشفير، وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهياً، والهار الهائر وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط، ووزنه فعل قصر عن فاعل كخلف من خالف، وألفه ليس فاعل إنما هي عينه وأصله «هور» فقلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل وكنه أمره { أَفَمَنْ أُسَّسَ بُنْيَانَهُ } شامي ونافع { جرْف } شامي وحمزة ويحيـى { هارِ } بالإمالة: أبو عمرو وحمزة في رواية ويحيـى { فَٱنْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ } فطاح به الباطل في نار جهنم. ولما جعل الجرف الهائر مجازاً عن الباطل رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها. قال جابر: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لا يوفقهم للخير عقوبة لهم على نفاقهم { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم لما غاظهم من ذلك وعظم عليهم { إِلاَّ أَن تَقَطَّع قُلُوبُهُمْ } شامي وحمزة وحفص أي تتقطع. غيرهم { تُقطّع } أي إلا أن تقطع قلوبهم قطعاً وتفرق أجزاء فحينئذ يسلون عنه، وأما ما دامت سالمة مجتمعة فالريبة باقية فيها متمكنة، ثم يجوز أن يكون ذكر التقطع تصويراً لحال زوال الريبة عنها، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار، أو معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بعزائمهم { حَكِيمٌ } في جزاء جرائمهم.

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } مثل الله إثابتهم بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشراء. ورُوي: تاجرهم، فأغلى لهم الثمن. وعن الحسن: أنفساً هو خلقها وأموالاً هو رزقها. ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي وهو يقرؤها فقال: بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله فخرج إلى الغزو واستشهد { يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } بيان محل التسليم { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } أي تارة يقتلون العدو وطوراً يقتلهم العدو.

السابقالتالي
2 3