الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } * { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ }

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم } يعني حول بلدتكم وهي المدينة { مّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ } وهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار وكانوا نازلين حولها { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } عطف على خبر المبتدأ الذي هو { مِمَّنْ حَوْلَكُم } والمبتدأ { مُنَـٰفِقُونَ } ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدأ والخبر إذا قدرت «ومن أهل المدينة قوم» { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } أي تمهروا فيه على أن مردوا صفة موصوف محذوف، وعلى الوجه الأول لا يخلو من أن يكون كلاماً مبتدأ، أو صفة لـ { مُنَـٰفِقُونَ } فصل بينها وبينه بمعطوف على خبره، ودل على مهارتهم فيه بقوله { لاَ تَعْلَمُهُمْ } أي يخفون عليك مع فطنتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامي ما يشككك في أمرهم. ثم قال { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } أي لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على سرهم غيره، لأنهم يبطنون الكفر في سويداء قلوبهم ويبرزون لك ظاهراً كظاهر المخلصين من المؤمنين { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } هما القتل وعذاب القبر، أو الفضيحة وعذاب القبر، أو أخذ الصدقات من أموالهم ونهك أبدانهم { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } أي عذاب النار.

{ وَءَاخَرُونَ } أي قوم آخرون سوى المذكورين { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا نادمين وكانوا عشرة، فسبعة منهم لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين، وكانت عادته كلما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم، ففذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم فقال«: " وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم» " فنزلت، فأطلقهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال: " «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً» " فنزلخُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً } { خَلَطُواْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } خروجاً إلى الجهاد { وَءاخَرَ سَيِّئاً } تخلفاً عنه، أو التوبة والإثم وهو من قولهم «بعت الشاء شاة ودرهما» أي شاة بدرهم، فالواو بمعنى الباء لأن الواو للجمع والباء للإلصاق فيتناسبان، أو المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر فكل واحد منهما مخلوط ومخلوط به كقولك «خلطت الماء واللبن» تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه بخلاف قولك «خلطت الماء باللبن» لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به. وإذا قلته بالواو فقد جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما كأنك قلت «خلطت الماء باللبن واللبن بالماء» { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ } ولم يذكر توبتهم لأنه ذكر اعترافهم بذنوبهم وهو دليل على التوبة { خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً } كفارة لذنوبهم.

السابقالتالي
2 3 4