الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } * { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } * { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } * { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } * { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } * { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } * { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } * { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ } خطاب للجنس { إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء { فَمُلَـٰقِيهِ } الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها، والمراد جزاء الكدح إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وقيل: لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح يدل عليه قوله { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } أي كتاب عمله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } سهلاً هيناً وهو أن يجازي على الحسنات ويتجاوز عن السيئات. وفي الحديث " من يحاسب يعذب " فقيل: فأين قوله { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }؟ قال: " ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب " { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ } إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين، أو إلى فريق المؤمنين، أو إلى أهله في الجنة من الحور العين { مَسْرُوراً } فرحاً { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } قيل: تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } يقول: يا ثبوراه والثبور الهلاك { وَيَصْلَىٰ } عراقي غير علي { سَعِيراً } أي ويدخل جهنم { إِنَّهُ كَانَ } في الدنيا { فِى أَهْلِهِ } معهم { مَسْرُوراً } بالكفر يضحك ممن آمن بالبعث. قيل: كان لنفسه متابعاً وفي مراتع هواه راتعاً.

{ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت تفسيره حتى سمعت أعرابية تقول لبنتها: حوري أي ارجعي { بَلَىٰ } إيجاب لما بعد النفي في { لَّن يَحُورَ } أي بلى ليحورن { إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ } وبأعماله { بَصِيراً } لا يخفى عليه فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها.

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } جمع وضم والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم، أو من عمل فيه من التهجد وغيره { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } اجتمع وتم بدراً افتعل من الوسق { لَتَرْكَبُنَّ } أيها الإنسان على إرادة الجنس { طَبَقاً عَن طَبقٍ } حالاً بعد حال، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول. والطبق ما طابق غيره يقال: ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه، ومنه قيل للغطاء الطبق، ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم: هو على طبقات، أي لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها. ومحل { عَن طَبقٍ } نصب على أنه صفة لـ { طَبَقاً } أي طبقاً مجاوزاً لطبق، أو حال من الضمير في { لَتَرْكَبُنَّ } أي لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق.

السابقالتالي
2