الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } ما صح له ولا استقام { أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } { أَن تَكُونَ }: بصري { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } الإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من الثخانة وهي الغلظ والكثافة حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر، ثم الأسر بعد ذلك. رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبعين أسيراً ـ فيهم العباس عمه وعقيل ـ فاستشار النبي عليه السلام أبا بكر فيهم فقال: قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك. وقال عمر رضي الله عنه: كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان لنسيب له، فلنضرب أعناقهم. فقال عليه السلام: " مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال: { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } )إبراهيم: 36) ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال: { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } )نوح: 26) " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: " إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم " فقالوا: بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } متاعها يعني الفداء سماه عرضاً لقلة بقائه وسرعة فنائه { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } أي ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } يقهر الأعداء { حَكِيمٌ } في عتاب الأولياء.

{ لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ } لولا حكم من الله { سَبَقَ } أن لا يعذب أحداً على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهاداً منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد، وخفي عليهم إن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر، أو ألا يؤاخذ قبل البيان والإعذار. وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس. { كِتَابٌ } مبتدأ و { مِنَ ٱللَّهِ } صفته أي لولا كتاب ثابت من الله و { سَبَقَ } صفة أخرى له، وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة في الوجود، و { سَبَقَ } لا يجوز أن يكون خبراً لأن «لولا» أبداً { لَمَسَّكُمْ } لنالكم وأصابكم { فِيمَا أَخَذْتُمْ } من فداء الأسرى { عَذَابٌ عظِيمٌ } روي أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت.

السابقالتالي
2 3