الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ }

مدنية وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية

{ يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } النفل الغنيمة لأنها من فضل الله وعطائه، والأنفال الغنائم. ولقد وقع اختلاف بين المسلمين في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله كيف تقسم ولمن الحكم في قسمتها للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعاً؟ فقيل له: قل لهم هي لرسول الله وهو الحاكم فيها خاصة يحكم ما يشاء ليس لأحد غيره فيها حكم. ومعنى الجمع بين ذكر الله والرسول أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته، ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوضاً إلى رأي أحد { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الاختلاف والتخاصم وكونوا متآخين في الله { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال التي تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، وقال الزجاج: معنى { ذَاتَ بِيْنِكُمْ } حقيقة وصلكم. والبين الوصل أي فاتقوا الله وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به. قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما أمرتم به في الغنائم وغيرها { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } كاملي الإيمان { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } إنما الكاملو الإيمان { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فزعت لذكره استعظاماً له وتهيباً من جلاله وعزه وسلطانه { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ } أي القرآن { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } ازدادوا بها يقيناً وطمأنينة، لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه، أو زادتهم إيماناً بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون إلا إياه { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } جمع بين أعمال القلوب من الوجل والإخلاص والتوكل، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } هو صفة لمصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } كقولك «هو عبد الله حقاً» أي حق ذلك حقاً. وعن الحسن رحمه الله أن رجلاً سأله أمؤمن أنت؟ قال: إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الآية. فلا أدري أنا منهم أم لا. وعن الثوري: من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية، أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً، وبهذا يتشبث من يقول أنا مؤمن إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3