الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } * { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } * { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

{ هل أتاك حديث موسى } استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به { إذ ناداه رَبُّهُ } حين ناداه { بالوَادِ المقَدَّسِ } المبارك المطهر { طوًى } اسمه { اذهب إلى فرعون } على إرادة القول { إنَّهُ طغى } تجاوز الحد في الكفر والفساد.

{ فقل هل لّك إلى أن تَزَكَّىٰ } هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان. وبتشديد الزاي: حجازي { وَأَهْدِيَكَ إلَىٰ رَبِّكَ } وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه { فَتَخْشَىٰ } لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى:إنما يخشى الله من عباده العلماء } [فاطر: 28] أي العلماء به. وعن بعض الحكماء: اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين. فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كل خير، ومن آمن اجترأ على كل شر. ومنه الحديث " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل " بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى:فقولا له قولاً ليناً } [طه: 44] { فأراه الآية الكبرى } أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة { فَكَذَّبَ } فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحراً وسحراً { وعَصَىٰ } الله تعالى { ثمّ أدْبَرَ } تولى عن موسى { يَسْعَىٰ } يجتهد في مكايدته، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طيّاشاً خفيفاً { فَحَشَرَ } فجمع السحرة وجنده { فَنَادَىٰ } في المقام الذي اجتمعوا فيه معه { فقال أنا ربّكم الأعلى } لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها { فأخذه الله نكال الآخرة } عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم. ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق { والأُولىٰ } أي الإغراق، أو نكال كلمتيه الآخرة وهيأنا ربكم الأعلى } والأولى وهيما علمت لكم من إله غيري } [القصص: 38] وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون { إنّ في ذلك } المذكور { لَعِبْرَةً لّمن يخشىٰ } الله.

{ ءَأنتُمْ } يا منكري البعث { أشَدُّ خَلْقاً } أصعب خلقاً وإنشاء { أم السَّمَاءُ } مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً. ثم بين كيف خلقها فقال { بناها } أي الله. ثم بين البناء فقال { رَفَعَ سَمْكَهَا } أعلى سقفها. وقيل: جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام { فسواها } فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أظلمه { وأَخْرَجَ ضُحَاهَا } أبرز ضوء شمسها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها { والأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحَاهَا } بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام.

السابقالتالي
2